قد كذبنا على الله ، ونسبنا إليه ما لا يرضاه وما لم يقل به ، إذا رجعنا إلى ملّتكم وأحللنا ما تحلّون وحرّمنا ما تحرّمون (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) أي بعد أن خلّصنا سبحانه منها وأقام لنا الدلائل على بطلانها ، وأوضح لنا الحق من عنده بحجة جلية ، ولم نختلق على الله كذبا حين دعوناكم إلى الإيمان (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) وهي ملّة كفر لا يجوز الارتداد إليها (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) إلّا إذا أراد الله سبحانه ذلك ، وهو لا يرضى لعباده الكفر. فقد علّق شعيب (ع) ما لا يكون ، بما علم أنه لا يكون ، تبعيدا لذلك واستحالة لحصوله (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي : وسع علم ربّنا كلّ شيء وهذا تعبير في غاية الروعة والجمال ، يعرض المعنى بشكل أكثر روعة وأعمق شمولا. وقد انتصب : علما ، على التمييز. فقد أحاط علمه سبحانه بكل شيء ، وهو أعلم بما يصلح لمعاشنا ومعادنا مما نتعبّد به (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي فوّضنا أمرنا إليه لينتصر لنا منكم وليتولّى جميع أمورنا (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) أي اكشف مع أيّنا الحقّ : معنا ، أو مع قومنا. وهذا دعاء يظهر عليه الخشوع والانقطاع إلى الله تعالى يستشم منه الطلب بأن يعجّل له النّصر عليهم (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أي خير الفاصلين في الأمور والحاكمين فيها.
* * *
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))