وكانوا بخلاء لدرجة الشّح. وبحكم وقوع مدائنهم على طريق السيارة بين الشام والحجاز ومصر ، كانت الضيوف تطرقهم دائما فيضيقون ذرعا بكل ضيف لشحّهم بالطعام ، فأغراهم بخلهم بأنه إذا نزل بهم ضيف فضحوه ، لينصرف المارّة عن طروق منازلهم والمبيت عندهم ، وليحيد المسافرون عن طريق قراهم. وقد بدأوا هذا الفعل مع الرجال عن غير شهوة ، بل بقصد تنفيرهم من النزول عندهم ، ثم أوردهم بخلهم هذا الداء القبيح فصاروا يطلبون الرجال ويعطون على ذلك أجرا عظيما.
أما لوط (ع) فكان على عكسهم ـ ولم يكن منهم بالأصل ـ فهو كريم سخيّ يقري الضيوف ، ويرحّب بالنزلاء ، ويفتح بيته لكل رائح وغاد ، فنهوه عن ذلك وهدّدوه بفضح كل ضيف ينزل به. فكان يكتم أمر الضيف إذا حلّ ببيته ، ويستر خبره عن قومه أشد ستر مخافة الوقوع في هذه الفضيحة الفظيعة ، ولما أعيت لوطا الحيلة وبقي قومه على إصرارهم العنيد ، وأراد الله تعالى أن يوقع عليهم عذابه ، بعث جبرائيل (ع) في نفر من الملائكة ، فجاؤا إبراهيم أولا فذبح لهم عجلا سمينا وظنّهم ضيوفا فقالوا له : إنّا رسل ربّك ، ونحن لا نأكل الطعام ، وقد بعثنا الله تعالى لتنفيذ مشيئته في قوم لوط. ثم ودّعوه وقصدوا لوطا فوجدوه يسقي الزرع فسلّموا ووقفوا ، فردّ عليهم بأحسن التحية وقال : من أنتم؟ قالوا نحن أبناء سبيل ، أضفنا الليلة. فقال لوط : إن أهل هذه القرية قوم سوء ، فهم ينهبون مال الضيف وينكحونه في دبره. فقالوا : قد أبطأنا فأضفنا. فجاء لوط إلى أهله وقال لها : قد أتاني ضيوف فاكتمي أمرهم هذه الليلة. فقالت له : أفعل. وكانت امرأته كافرة ، وكانت العلامة بينها وبين قومها أنه إذا نزل بلوط ضيف تدخّن هي فوق السطح إذا كان الوقت نهارا ، وتشعل النار إذا كان الوقت ليلا.
فلما دخل جبرائيل (ع) والملائكة إلى بيت لوط ، قامت زوجه فأوقدت النار على السطح فأقبل القوم يهرعون إليه من كل ناحية. ثم دار بينهم وبين لوط ما حكاه الله في غير هذا المكان ، فضرب جبرائيل عليه