وكيدا (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي لأحضرنّهم في دنياهم ولأسدّن عليهم الطّرق مزيّنا لهم الدّنيا قائلا لهم : لا جنّة ولا نار ولا بعث ولا حساب ، ومن مات وعاد فأخبر عن ذلك ، وما أشبه ذلك لأثبّطهم عن الطاعات وأشغلهم بالشهوات وملاذّ الدّنيا ولأحثّهم على عصيان أوامر الله ، ولذلك ذكر أنه يجيئهم من جميع الجهات ليعترض أيّ طريق لهم إلى الإيمان. وقد قال ابن عباس : لم يقل : ومن فوقهم لأن فوقهم جهة نزول الرحمة من السماء ولا سبيل له إلى ذلك ، كما أنه لم يقل : من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه موحش. وقال مجاهد : معنى من بين أيديهم وعن أيمانهم : من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم : من حيث لا يبصرون.
وروي عن الإمام الباقر عليهالسلام قوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) : أهوّن عليهم أمر الآخرة ، ومن خلفهم : آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم ، وعن أيمانهم : أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة ، وعن شمائلهم : بتحبيب اللّذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم.
وإنما دخلت : من ، في القدّام والخلف ، وعن : في اليمين والشمال ، لأن في القدّام والخلف معنى طلب النهاية ، وفي اليمين والشمال يكون الانحراف عن الجهة .. وحين أفعل ذلك مع العباد يكفرون بأوامرك (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) أي أن الأكثر منهم يكونون غير شاكرين لله لأن الشيطان يستزلّهم فيطيعونه ويعصون الخالق تبارك وتعالى.
١٨ ـ (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً ...) قرئ : مذوما بتخفيف الهمزة. والذام والذيم أشدّ العيب ، فمذوم ومذءوم يعني معيب في غاية العيب. فقد قال سبحانه لإبليس : اخرج من الجنّة مذموما معابا بعصيانك أمر الخالق ، مهانا لعينا مدحورا : أي مدفوعا بهوان ومطرودا بذلّ (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي : من اتّبعك من بني آدم وأطاعك وعمل بوسوستك.