فأخطأ القياس ، فمن قاس الّدين بشيء من رأيه قرنه الله بإبليس ، ونعم ما قال. ومثله ابن سيرين الذي قال : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلّا بالمقاييس. أمّا ظنّ إبليس أن النار أشرف من الطين فلا يجوز أن يسجد الأشرف لمن هو دونه ، فهو خطأ لأن ذلك تابع لما يعلم الله تعالى من المصالح ، على أن الطين أيضا خير من النار باعتبار كثرة منافعه للخلق ، فالأرض مستقرّ العباد ، ومنها معايشهم وأرزاقهم وخيراتهم.
١٣ ـ (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها ...) أي قال الله عزوجل لإبليس : اهبط : انزل منها : من السماء أو من الجنّة أو ممّا أنت عليه من الدرجة والمنزلة الرفيعة الخاصة بمن اتّبع أوامر الله حق الاتّباع (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ) عن أمر الله ، ولا يحق ذلك لك (فِيها) أي الجنّة أو ما ذكرناه فإنها لا يكون فيها المتكبّرون بل موضعهم النار وبئس القرار. وقد قال سبحانه : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ فَاخْرُجْ) يا إبليس من الجنة والنعمة التي أنت عليها (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) يعني الأذلّاء بالمعصية ، والصاغر الذليل بصغر القدر. ولا يخفى أن العاصي يكون ذليلا عند من عصاه ، بل يكفي بالعذاب صغارا يوم القيامة. وقيل إن هذا الكلام قول الله سبحانه ولكنه صدر لإبليس على لسان بعض الملائكة والله أعلم.
* * *
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ