الأساس من إعطائكم جميع ذلك (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) والجعل هو إيجاد ما به يكون الشيء على خلاف ما كان عليه ، كجعل الساكن متحركا. فقد وفّرنا لكم في الأرض معايش : جمع معيشة ، يعني ما تعيشون به من أنواع النعم والرزق ومختلف المنافع (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) يعني تشكروا أنعمنا عليكم بذلك ولكنه قلّ شكركم.
١١ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ...) نعمة الخلق والإيجاد والتصوير ، هي أول نعمة ذكّر بها سبحانه. والمعنى في هذا الخطاب : أنّا بدأنا خلق آدم ثم صوّرناه ، فابتداء خلقه (ع) من التراب عقبته الصورة التي صار عليها. (ثُمَ) بعد هاتين المرحلتين (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) بعد الفراغ من خلقه وتصويره ونحن نخبركم بما كان منّا من خلقكم في أصلاب الرجال وأمرنا للملائكة بالسجود (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) قد مرّ تفسير ذلك في سورة البقرة.
١٢ ـ (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ...) يعني أن الله سبحانه قال : ما منعك من السجود يا إبليس حين أمرت ملائكتي به؟ و : ما ، مرفوع الموضوع ، والمعنى : أي شيء منعك. وألّا : هي : أن لا ، و : لا ، بحكم الملغاة ، والتقدير : ما منعك أن تسجد ، وذلك كقول القائل :
أبى جوده لا البخل واستعجلت به |
|
نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله |
أي : أبى جوده البخل : و : لا ، زائدة.
وقيل إنما دخل : لا ، في قوله تعالى : ألّا تسجد ، لأن معناه : ما دعاك إلى أن لا تسجد ـ وهو قول جميل ـ (إِذْ أَمَرْتُكَ) بالسجود لآدم (قالَ) إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) أي أنا خير من آدم لأنك أوجدته من تراب ، وأنا مخلوق من نار ، والنار تقوى على الطين. ويلاحظ أن الجواب غير مطابق للسؤال إذ لم يسأل سبحانه : أيّكما خير من الثاني. وقد قال ابن عباس : أول من قاس إبليس