وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلىاللهعليهوسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه ، وأنه ليس عليه إلّا التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه ، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [١٨٨] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)) [٥٣ الى ٥٦]
(١) يستنبئونك : يستخبرون منك ويسألونك.
الآيات تحكي سؤال الكفار للنبي صلىاللهعليهوسلم عما إذا كان ما يتوعدهم به القرآن من البعث والحساب الأخروي حقا وصدقا بأسلوب الذي يريد التوثق أو يبالغ في الإنكار والشك ويظن أن الوعيد تهويش وتخويف ؛ وتأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بتوكيد ذلك وكونه حقا وكونهم لن يعجزوا الله ولن يخرجوا عن شمول قدرته وإحاطته ، وتحكي ما سوف يكون عليه حال الكفار يوم القيامة من الشدة والفزع والندامة حين يرون العذاب ويسمعون قضاء الله العادل الرهيب فيهم حتى لو كان لكل واحد منهم جميع ما في الأرض لقدمه فدية عن نفسه ؛ وتهتف بالناس مؤكدة بأن وعد الله حقّ لا ريب فيه وهو قادر على تحقيقه كل القدرة لأنه الذي له ما في السموات والأرض