ما في معالنة النبي لأقاربه بالبراءة من دلالة رائعة
وإذا لوحظ أن هذا الموقف الذي ترتب على الآيات التي نحن في صددها قد كان في ظرف كان النبي صلىاللهعليهوسلم فيه ضعيفا والمسلمون فيه قليلين وأكثرهم ضعفاء وفقراء ، وكانت الحاجة إلى نصرة العصبية شديدة فإنه يلمح فيه جانب جدير بالإجلال والإعظام من جوانب عظمة السيد الرسول صلوات الله عليه وسيرته وقوة نفسه وشخصيته وبخاصة في إعلان ما أوحى الله تعالى به إليه من إنذار الكافرين من عشيرته الأقربين بالبراءة إذا عصوه وفي إعلان تضامنه مع الذين آمنوا معه على ما كانوا عليه من ضعف وقلّة ، ولقد كان لإيمان النبي صلىاللهعليهوسلم العميق برسالته وبنصرة الله تعالى أثر قوي في ذلك من دون ريب. وفي كل هذا ما فيه من تلقين وأسوة وقدوة.
تلقين جملة
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وفي الآية التي تأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بخفض جناحه للمؤمنين تعليم قرآني جليل ، فالمؤمنون الأولون قد آمنوا برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم واتبعوه والتفوا حوله وأيدوه وتحملوا في سبيل ذلك الأذى والضرر والقطيعة ووطنوا النفس على عداء أهلهم وحرمانهم من الحماية العائلية التي كان لها تلك الخطورة. فكل هذا جعلهم جديرين بأن يكونوا وحدة متضامنة تقوم على أسس الحق والخير والعدل ومكارم الأخلاق ، وتحل محل تلك الوحدة العائلية الضيقة. وكل هذا من شأنه أن يجعلهم جديرين برعاية الله تعالى ثم ببرّ نبيه ورأفته وسعة صدره وحبه وتفضيله إياهم على أسرته الخاصة وعشيرته الأقربين ؛ ومن شأن ذلك أن يزيدهم قوة وتحملا وتضامنا وتفانيا.
__________________
المسلمين لغير المسلمين أقارب وغير أقارب وهي (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩).