(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٣٣) قرينة على هذا الترجيح.
والمقصود بتعبير الروح الأمين هو جبريل عليهالسلام على ما أجمع عليه المفسرون. ويؤيد هذا أن اسم جبريل ورد بصراحة في صدد نزوله بالقرآن على قلب النبي صلىاللهعليهوسلم في آية سورة البقرة هذه (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٩٧).
وتعبير (عَلى قَلْبِكَ) يؤكد أن الوحي القرآني حادث روحاني خاص لا يدركه إلّا النبي. وقد شرحنا هذا في كتابنا القرآن المجيد (١) وفي سياق تفسير سورة القيامة فلا حاجة إلى شرح جديد هنا ، ولا سيما أن المسألة من المسائل المغيبة الواجب الإيمان بها والتي لا يجوز التزيد والتخمين فيها. وإذا كان لا بد من شيء يقال هنا فهو أن هذا التعبير الذي تكرر في آية سورة النحل هذه (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٠٢) قد يلهم شيئا من الإيضاح لطريقة الوحي القرآني يستطيع أن يفهمه الذين لم يكونوا يشعرون بالوحي الذي كان ينزل على النبي صلىاللهعليهوسلم وهم في قربه وهي أن القرآن كان ينقذف في قلب النبي صلىاللهعليهوسلم انقذافا روحانيا بواسطة روحانية غير مشعور بمادتها ، ولكنها مشعورة بآثارها ومن جانب النبي صلىاللهعليهوسلم بخاصة وهي ملك الله الذي سمي هنا بالروح الأمين ، وسمي في سورتي النحل والبقرة بروح القدس ، وذكر اسمه بصراحة في سورة البقرة.
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا
__________________
(١) انظر ص ١٥ ـ ٣٢.