لغوا ، بل يكون إرسال الرسل وإنزال الكتب أيضا عبث ، للاكتفاء بإيجاد العلم الضروري بالأحكام من دون سبب ومقتض في الجميع كذا ذكره بعضهم في المقام ، وقد أضفنا إليه بعض ما يؤيّد المرام.
قلت : ويمكن دفعه بإدراجه في المحسوسات لا بأن يكون نفسه محسوسا ، بل ما يؤدّى إليه حسّيا ، فإنّه أيضا بمنزلة الإحساس به كالعلم الضروري بالشجاعة والسخاوة ونحوهما من الصفات النفسيّة من الإحساس بآثارها البيّنة ، فإنّ الإحساس بتلك الآثار بمنزلة الإحساس بمبادئها ، وبذلك يندرج العلم الحاصل بها في الضروريّات ، ويكون العلم به من مؤدّي المحسوس.
وحينئذ نقول : إنّ الإحساس بالخارق بعد ادّعائه النبوّة كما يوجب العلم الضروري بحصول الخارق كذا يفيد العلم بصدق المدّعي كما يشاهد ذلك بالنسبة إلى الفطرة السليمة إذا القي عليه المعجزة ، إذ بمجرّد رؤيته صدور المعجزة العظيمة الخارقة للعادة يقطع بصدق ذلك المدّعي في دعواه ، كما يشاهد ذلك في معاشر الأنبياء ، فإنّ من يرى منهم ذلك لا يبقى له مجال للريب في تصديقهم إلّا أن ينكر كون ذلك معجزة بدعوى السحر ، كما هو الحال في الكفّار المشاهدين للمعاجز ، وإلّا فبعد تسليم عدم كونه سحرا لم يكن للكفّار أيضا مجال للتشكيك ، وإنّما كان تلبيسهم على الناس أو على أنفسهم من جهة دعوى كونه سحرا لا معجزة ، كيف؟ ولو لا ذلك لم يقم للأنبياء عليهمالسلام حجّة بإبداء المعجزة إلّا بعد إثبات الصانع وحكمته وعموم علمه وقدرته حتّى يتمّ لهم دلالة المعجزة على تصديقهم ، وليس الحال كذلك ، بل كان مجرّد إبدائهم المعجزة برهانا لهم على تصديقهم.
ألا ترى إلى قول فرعون لقومه : ما علمت لكم من إله غيري؟! ومع ذلك لم ينقل عن موسى عليهالسلام المباحثة معه في إثبات المطالب المذكورة وإقامة البرهان عليها ، ولا حكاه سبحانه تعالى في شيء من قصص موسى وفرعون ، بل جعل برهانه العصا واليد البيضاء ، حيث قال له سبحانه : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى