قوله : (وقد اختلف الناس في قبوله للتجزئة ... الخ.)
اعلم أن كلّا من الاجتهاد بمعنى الملكة والفعل إمّا أن يكون مطلقا ـ بأن يكون هناك ملكة استنباط جميع المسائل مع حصول الفعليّة كذلك ، ونعني بإطلاق حصول الفعليّة أن يكون مستفرغا لوسعه في المسائل المعروفة المدوّنة ممّا يعدّ العالم به عارفا بمسائل الفقه ، لا جميع ما يمكن تصويره من المسائل ، لعدم تناهيها ، وامتناع إحاطة القوّة البشريّة بها ـ وإمّا أن يكونا جزئيّين ، وإمّا أن يكون القوّة تامّة كلّية على الوجه المذكور ، والفعلية ناقصة جزئية. وأمّا العكس فغير متصوّر غالبا ، ويمكن تصويره فيما إذا استنبط الحكم في المسائل المشكلة بمعاون من استاد ونحوه من غير أن يقتدر نفسه على الاستنباط بخلاف غيرها من المسائل.
فالأوّل اجتهاد مطلق من غير إشكال ، كما أنّ الثاني تجزّي كذلك.
وأمّا الثالث فالّذي قطع به غير واحد من الأفاضل أنّه أيضا من الاجتهاد المطلق نظرا إلى أنّ تجزّي الاجتهاد وإطلاقه إنّما يعقل بالنسبة إلى القوّة والملكة ، وأمّا بالنسبة إلى الفعليّة فلا يعقل فيه إلّا التجزّي ، إذ لا يتصور إحاطة الاجتهاد بجميع المسائل ، لعدم تناهيها.
وفيه : أنّه إنّما يتمّ ذلك إذا اريد بإطلاق الفعليّة هو إطلاقها بالنسبة إلى ما يمكن تصويره من المسائل ، وأمّا لو اريد به المسائل المعروفة المدوّنة حسب ما ذكرنا فلا.
ومن البيّن أنّه مع علمه بتلك المسائل يعدّ عالما بحسب العرف بمسائل الفقه ، بل الظاهر الاكتفاء في صدقه بما دون ذلك أيضا فيما إذا كان عالما بقدر يعتدّ به من تلك الأحكام ، حسب ما مرّت الإشارة إليه.
ومع الغضّ عن ذلك فقد يناقش في امتناع الاجتهاد في جميع المسائل نظرا إلى إمكان استفراغ الوسع فيها على سبيل الكلّية والاندراج تحت القاعدة وإن لم يتصوّرها بخصوصها. فما ذكر : من عدم تناهي المسائل والفروع المتجدّدة ، إنّما