وثانيا : أنّا إنّما نقول بحجّية الشهرة في ما إذا لم يعارضها معارض أقوى على ما هو شأن الحجج الظنّية ، وحينئذ نقول : إنّ الشهرة القائمة على عدم حجّية الشهرة معارضة بالدليل القطعي القائم على حجّية الظنون عند انسداد باب العلم على ما مرّ تقريره.
ومن البيّن أنّ الظنّ لا يقاوم القطع ، ومع الغضّ عنه فهناك أدلة ظنّية قاضية بحجّية الشهرة كما سنشير إليها ، ولا يقاومها الظنّ الحاصل من الشهرة فلابدّ من تركها.
ومن ذلك يظهر ضعف التقرير الثاني فإنّا نقول بحجّية الشهرة مطلقا في ما لم يعارضها معارض أقوى لا مطلقا ، وقد ظهر بذلك أيضا اندفاع الحجّتين الاوليين ، فإنّ الأصل يخالف الدليل.
ومن البيّن أنّ القائل بحجّية الشهرة يتمسّك في ذلك بالدليل حسب ما يأتي بيانه ، والإجماع المدّعى لو سلّم فإنّما يسلّم في الشهرة المجرّدة دون المنضمّة إلى متمسّك ولو كان ضعيفا ، حسب ما أشرنا إليه ، وفي ذلك كلّه نظر سيأتي تفصيل القول فيه إن شاء الله.
حجّة القول بحجّيتها مطلقا أو في ما إذا لم تخل عن مستند أصلا ـ ولو رواية ضعيفة لا يجوز التمسّك بها بنفسها ـ امور :
منها : الوجهان المذكوران في كلام الشهيد رحمهالله. والأوّل منهما ضعيف جدّا حسب ما قرّره المصنّف ومرّ الكلام فيه ، إلّا أن يرجع إلى الوجه الثاني. والثاني مبنيّ على قاعدة الظنّ والبناء على حجّيته إلّا ما قام الدليل على خلافه وإن لم ينهض عليه في الاحتجاج ، لوضوح أنّ مجرّد حصول الظنّ أو قوّة الظنّ لا يقضي بجواز الاعتماد عليه ما لم يلاحظ معه أصالة حجّية الظنّ. ويمكن إرجاعه أيضا إلى بعض الوجوه الآتية ، كما سنشير إليه إن شاء الله.
ومنها : قيام الاتّفاق على حجّية جملة من الظنون ممّا هي أضعف من الظنّ الحاصل من الشهرة قطعا ، وهو قاض بحجّية الظنّ الحاصل من الشهرة بالأولى ،