يكون حجّيته ثابتة بالخصوص لا ما يكون حجّيته بحسب الواقع بملاحظة الخصوصيّة الحاصلة فيه لا من جهة عامّة ، وهو واضح لا خفاء فيه ، فإذا ثبت حجّية الظنّ الحاصل منهما في الجملة ووجوب العمل بهما وعدم سقوط ذلك عنده ، ولم يتعيّن عندنا طريق خاصّ في الاحتجاج بهما كان قضيّة حكم العقل حجّية الظنّ المتعلّق بهما مطلقا ، حسب ما قرّرناه.
وأمّا المناقشة في الأخبار الواردة في ذلك فإن كان من حيث الإسناد فهو واه جدّا ، وكذا من جهة الدلالة ، إذ من البيّن بعد ملاحظة فهم الأصحاب وعملهم شمولها لهذا العصر ونحوه قطعا ، وليس جميع تلك الأخبار من قبيل الخطاب الشفاهي ليخصّ الحاضرين ، ويتوقّف الشمول للباقين على قيام الإجماع ، ومع الغضّ عن ذلك ففي ما ذكرناه من الإجماع المعلوم كفاية في المقام.
وكيف كان ، فإن سلّم عدم قيام الدليل القاطع من الشارع أوّلا على حجّية الظنّ المتعلّق بالكتاب والسنّة على وجه يتمّ به نظام الأحكام ـ حسب ما ندّعيه كما سيأتي الإشارة إليه ـ فقضيّة حكم العقل هو حجّية الظنّ المتعلّق بهما من أيّ وجه كان على ما يقتضيه الدليل المذكور ، والمقصود بالاحتجاج المذكور بيان هذا الأصل ، وبعد ثبوته لا وجه للرجوع إلى شيء من سائر الظنون ، إذ لا ضرورة إليها ولم يقم عليها دليل خاصّ.
فإن قلت : إنّ القدر المسلّم وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة في الجملة ولا يقضي ذلك بحجّية الظنّ الحاصل منهما مطلقا ، بل القدر الثابت من ذلك هو ما قام الإجماع عليه فيقتصر من الكتاب على خصوصه ، ومن السنّة على الخبر الصحيح الذي يتعدّد مزكّي رجاله ، فلا يعمّ سائر وجوه الظنّ الحاصل من الكتاب والسنّة. وحينئذ نقول : إنّه لا يكفي الظنّ المذكور (١) في استنباط الأحكام فيتوقّف الأمر
__________________
(١) المعلوم بإجماع الشيعة بل الامّة والأخبار القطعيّة وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة الواقعيّة الّتي هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، ولا فرق في ذلك بين أن يفيد ذلك القطع بالحكم الواقعي أو الظنّ ، بل وإن لم يفد أحدهما. وليس شيء من ذلك من باب الظنّ ـ