من أوّل الأمر ، وهذا القدر كاف في التفاوت مضافا ، إلى اشتمال ما ذكره ثانيا على بيان جواب آخر عن أصل الاستدلال : فلا يخلو إعادته عن فائدة. فتحصّل بما ذكر جوابان عن الاستدلال : أحدهما المنع من عدم مقدوريّة العدم حسب ما قرّرناه ، والآخر إثبات مقدوريّته في الزمان المتأخّر عن الصيغة وإن جعلهما جوابا واحدا أو جعل الجواب الثاني رفعا لما يورد على الجواب الأوّل فتأمّل.
قوله : (باعتبار استمراره ... الخ.)
هذا الوجه جواب عن الإيراد الآخر وكأنّه لم يتعرّض للجواب عن الأوّل اكتفاءا بما ذكر في الجواب عنه ، فإنّ لاستمرار العدم حظّا من الوجود ، ولذا يستند في ملاحظة العقل إلى اختيار المكلّف ويترتّب ذلك عليه ، فلا يكون أثر القدرة نفيا محضا ، حسب ما ادّعاه المستدلّ ، لكنك خبير بأنّ عدم الفعل نفي محض بحسب الخارج لا تأثير ولا تأثّر فيه أصلا ، وليس استمرار العدم أمرا حاصلا بحسب الواقع وإنّما هو اعتبار عقليّ محض ، ثبوته في العقل كمفهوم العدم ، فتأثير صفة القدرة فيه بحسب الخارج غير معقول.
والحقّ أن يقال : إنّ مقدوريّة الفعل إنّما يكون باقتدار الفاعل على قطع استمرار العدم بالتأثير في الوجود ، لا بتأثيره في العدم أيضا ، وإن صحّ بذلك حكم العقل باستناد عدم المعلول الى عدم علّته ، فإنّ مناط الحكم بالاستناد المذكور هو عدم حصول الأثر عند عدم حصول التأثير لا بتأثير الفاعل في عدمه ، فالمراد باستناد عدم المعلول إلى علّته والترتّب العقليّ الحاصل بينهما في لحاظ العقل هو ذلك ، لا بتأثير العدم في العدم. كيف! وحصول التأثير والتأثّر غير معقول بين الأعدام ، فليس تأثير القدرة في المقام إلّا في جهة الوجود ويكون العدم مقدورا بذلك أيضا ، وحينئذ فما ادّعاه المجيب «من لزوم تأثير القدرة في كلّ من جانبي الوجود والعدم وإلّا لكان وجوبا لا قدرة» كما ترى. ويمكن تنزيل كلامه على ما ذكرنا فيكون مقصوده بالتأثير في العدم هو مفاد الترتّب العقليّ المذكور ، وهو لا ينافي كون عدم الفعل نفيا محضا بحسب الخارج.
* * *