ويشهد له فهم كافّة الأصحاب وغيرهم حيث اتّفقوا على دلالتها على وجوب الفاتحة في الصلاة ، ولو حمل على المعنى المذكور لم يكن دالّا على وجوب الفاتحة أصلا ، وهو كما ترى إسقاط للرواية عن الإفادة ، فعلى فرض الخروج عن حقيقة اللفظ فلا مناص حينئذ من حملها على نفي الصحّة ، فلا بدّ من الالتزام بالتقييد ، وحينئذ فيلزم الخروج عن الظاهر من وجهين ، بخلاف ما إذا حمل على ما قلناه فيقدّم عليه.
وما ذكر من لزوم التخصيص بالأكثر فممّا لا يعرف الوجه فيه ، فإنّ نسيان الفاتحة في كمال الندرة ، وكذا عدم القدرة عليها كما يشاهد ذلك بالنظر الى أحوال المسلمين.
خامسها : أنّها معارضة بقوله عليهالسلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (١) فإنّ ظاهر العطف قاض بالمغايرة ، وتحقّق مفهوم كلّ منهما بدون الآخر وقوله عليهالسلام : «الصلاة : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (٢) ونحو ذلك ممّا ورد فإنّ ظاهر العبارة تحقّق الماهيّة بذلك ، وهو يعمّ الصحيح والفاسد.
وفيه أنّ الرواية الاولى لا دلالة فيها على ذلك بوجه ؛ لظهور مغايرة الشرط للمشروط، وليس القائل بوضع الصلاة للصحيحة قائلا باندراج الشرائط في مسمّى اللفظ كما قد يتوهّم.
فإن قلت : إذا حكم بوجوب الصلاة فقد دلّ ذلك على وجوب ما اشترط في مسمّاه، فأيّ فائدة في ذكره؟
قلت : أوّلا : أنّ ذلك مبني على القول بوجوب المقدّمة ، فلا دلالة فيها على ذلك على القول بعدمه ، كما هو مذهب المعترض وإن اخذ في التسمية.
وثانيا : أنّ في التصريح بالحكم زيادة دلالة على المقصود ؛ إذ قد يخفى الحكم بالوجوب لعدم اندراجه في الدلالات اللفظيّة ، مضافا الى ما فيه من الدلالة على
__________________
(١) الوسائل : ب ٤ من أبواب الوضوء ح ١ ج ١ ص ٢٦١.
(٢) الوسائل : ب ١ من أبواب الوضوء ح ٨ ج ١ ص ٢٥٧.