فإثبات الوضع للمعنى ابتداء بمجرّد هذه الوجوه ونحوها غير متّجه على سبيل الإطلاق ، سيّما مع كون التقييد حاصلا في كثير من المقامات شائعا في الإطلاقات وما سيجيء الإشارة إليه من الاستناد إلى أمثال ذلك في مسائل الدوران ليس بالنسبة إلى إثبات نفس الأوضاع وإنّما هو بالنظر إلى الحكم باستمرارها أو نفيها حسب اختلاف المقامات من جهة إفادتها الظنّ في ذلك المقام ، أو بالنظر إلى معرفة حال العبارة من جهة ورود الطوارئ عليها ، أخذا بظواهر الأحوال ، وما جرى عليه الناس في مكالماتهم ومخاطباتهم حسب ما يأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى ، وليس الحال في إثبات نفس المعاني مع عدم ثبوت الوضع لها كالحال في ذلك ، بل لا بدّ من إثباتها بالطرق المقرّرة لها ، ومجرّد ملاحظة هذه الاصول لا يفيد ظنّا في الغالب بتعيّن نفس المعنى الذي وضع اللفظ له.
فالتمسك بالوجوه الدائرة في مباحث الدوران في إثبات نفس المعاني غير سديد ، كما إذا اريد إثبات كون الصلاة حقيقة فيما يعمّ صلاة الأموات بأنّا لو قلنا بوضعها للأعمّ كان إطلاق الصلاة على صلاة الأموات في الاستعمالات الشائعة حقيقة ، وإذا قلنا بكونها حقيقة في خصوص ذوات الركوع والسجود كانت تلك الاستعمالات كلّها مجازا ، أو لزم القول بالاشتراك ، وهما خلاف الأصل ؛ إذ ليس ذلك إلّا من قبيل الاستناد إلى التخريجات العقليّة في إثبات الامور التوقيفيّة ، ولذا لا يفيد ظنّا بالمرام في هذا المقام ، بخلاف المقام المذكور في الدوران ، وسنشير إن شاء الله الى أنّه لا حجّية فيها هناك أيضا مع عدم إفادتها الظنّ في خصوص بعض المقامات ؛ إذ المرجع في مباحث الألفاظ هو الظنّ دون التعبّد فلو فرض حصول ظنّ في المقام بملاحظة الخصوصيّات الحاصلة في بعض المقامات اتّجه الاستناد إلى ما ذكر من وجدانه مقيّدا بالقيدين ، كما إذا شاع تقييد اللفظ بكلّ منهما على نحو واحد بحيث ظهر من ملاحظة الاستعمالات كون مدلول اللفظ هو الأعمّ جاز الاسناد إليه من جهة الظهور المذكور ، لا من مجرّد أصالة عدم التأكيد أو المجاز ونحوهما. فتأمل.