النظر عنه لا يوجب الحمل على الحقيقة ؛ إذ فرض الخلوّ عن القرينة غير خلوصه عنها في الواقع ، فحينئذ لا يصحّ الاستناد إليه في الدلالة على الحقيقة إلّا مع انتفاء الشهرة أو انتفاء العلم بها لا بمجرّد قطع النظر عنها ولو مع حصولها في الواقع والعلم بها.
مدفوع بأنّ فهم المعنى المجازي موقوف على ملاحظة القرينة قطعا ، إذ حال وجود القرينة لو قطع النظر عنها وفرض انتفاؤها كان وجودها كعدمها ، كما يشهد به الوجدان ، وحينئذ لو حصل الفهم مع قطع النظر عن الشهرة كان دليلا على حصول الوضع حسب ما ذكرنا.
وأمّا إذا كان المرجع في التبادر إفهام العارفين بالوضع من أهل العرف أو الاصطلاح فتحصيل الظنّ بعدم استناده إلى الشهرة وغيرها ممّا لا بعد فيه ، والاكتفاء به في مباحث الأوضاع ظاهر ، لابتنائها غالبا على الظنون ، بل لا يبعد الاكتفاء فيه بالرجوع إلى الأصل لإفادته الظنّ في المقام ، نظرا إلى أنّ تبادر المعنى بمجرّد الشهرة الخالية عن الوضع أقلّ قليل بالنسبة إلى الكائن عن الوضع والظنّ إنّما يتبع الأعمّ الأغلب.
نعم ، إن قام في بعض المقامات شاهد على خلافه بحيث حصل الظنّ بخلافه أو شكّ فيه فلا يصحّ الاستناد إلى التبادر قطعا ، وقد يتوهّم حينئذ في صورة الشكّ كون الأصل فيه أن يكون علامة للوضع نظرا إلى أصالة عدم استناده إلى الخارج ولا يخفى وهنه(١).
رابعها : النقض بالمشترك فإنّه لا يتبادر منه عند الإطلاق إلّا أحد معنييه أو معانيه وليس حقيقة فيه وإنّما هو حقيقة في خصوص كلّ منها.
وربّما يظهر من السكّاكي أنّه حقيقة في ذلك ، مستدلا عليه بالتبادر ، إلّا أنّه
__________________
(١) إذ ليست حجّية الأصل في أمثال هذه المقامات مبنية على التعبّد وإنّما تدور مدار الظنّ والمفروض انتفاؤه ، مضافا إلى أنّ الأصل أيضا عدم استناده إلى نفس اللفظ ولا بدّ للمستدلّ من إثباته. (منه رحمهالله).