إنّما حصل من الوضعين المذكورين.
وقد نصّ بعض الأفاضل بأنّ الهيئة من حيث هي لا تدلّ إلّا على الأمر الكلّي والخصوصية مدلول المادّة ، فعلى هذا يكون الوضع هناك على الوجه الثالث ، ولو قلنا بكون الهيئة المفروضة مرآة لملاحظة جزئيّات الهيئات العارضة لقائم وقاعد ونائم ونحوها والموضوع خصوص تلك الجزئيات كان من قبيل الرابع ، وعلى أيّ من الوجهين المذكورين يكون الوضع المتعلّق بتلك الهيئات مقيّدا بما إذا كانت عارضة لمادّة موضوعة متصرّفة ، والوضع المتعلّق بالموادّ بما إذا كانت معروضة لهيئة موضوعة ، فيكون الوضع المتعلّق بموادها مغايرا للوضع المتعلّق بمصادرها ، إذ ذلك الوضع غير كاف في موضوعيّة المواد الحاصلة في ضمن هيئات المشتقّات ، ضرورة اختصاص ذلك الوضع بتلك الهيئة الخاصّة العارضة للمصادر ، فلا يعقل موضوعيّة الموادّ الحاصلة في المشتقات بذلك الوضع.
هذا غاية ما يوجّه به احتمال كون الوضع في المشتقات على أحد الوجهين (١) المذكورين ، لكنّه ضعيف أيضا ؛ لما عرفت من بعد تعلّق الوضع فيها بغير اللفظ ، ولزوم التعسّف البيّن في التزام تعلّق وضعين بلفظ واحد ، إذ الظاهر عدم تعدّد الوضع المتعلّق بكل من الألفاظ ، فالهيئة والمادّة المعروضة لها موضوعة بوضع واحد نوعيّ ، كما أشرنا إليه.
وما يقال من كون وضع موادّ المشتقّات شخصيّا فإنّما يعني به الأوضاع المتعلّقة بمصادرها لا الموادّ الحاصلة في ضمنها ، أو أنّه لما كان المنظور في الوضع المذكور هو دلالة المادّة على الحدث ودلالة الهيئة على اعتبار ذلك الحدث جاريا على الذات نزّل ذلك منزلة وضعين ، وكان وضعه بالنسبة إلى الأوّل شخصيّا ؛ لاختصاصه بالمادّة المعيّنة تسرية إليها من المبدأ من جهة الوضع المذكور ،
__________________
(١) وربّما يقال بناء على أحد الوجهين المذكورين بكون وضعها المادّي تابعا لما ذكر من أوضاع هيئآتها حاصلا بتعلّق الوضع بها من غير أن يتعلّق بها وضع آخر ، وهو أيضا كما ترى. (منه رحمهالله).