إلى الواسطة في العروض.
وأمّا الواسطة في الثبوت فيمكن حصول المباينة فيها قطعا كما مرّت الإشارة إليه. وما قد يتوهّم من أنّ المباين في نفسه لا يعقل أن يكون مصحّحا لعروض أمر لمباينه وإنّما الارتباط الحاصل بينهما هو المصحّح له وهو ممّا يصحّ حمله عليه مدفوع : بأنّا ننقل الكلام إلى الارتباط المفروض ، فإنّه أيضا من العوارض ، وحمله عليه بتوسّط الأمر المباين.
ثانيها : أنّ عدّ العارض للجزء الأعمّ من العوارض الذاتيّة غير متّجه ، فإنّ الظاهر عدم كونه من العوارض الذاتية للأخصّ ، إذ عروضه له بتبعيّة اتّحاده مع الأعمّ وصدقه عليه ، فهو من العوارض الذاتية للأعمّ.
فإن قلت : إنّ العارض للجزء المساوي إنّما يعرض الكلّ بتوسّط اتّحاده معه ، فلا يكون عرضا ذاتيّا للكلّ أيضا ، وإنّما يكون ذاتيّا بالنسبة إلى ذلك الأمر المساوي خاصّة حسب ما قرّر في الجزء الأعمّ.
قلت : فرق بيّن بين الأمرين ، فإنّ الجزء المساوي هو المقوّم عندهم للنوع وبه يتحصّل الجنس ، أعني الجزء الأعمّ ، فتذوّت النوع إنّما يكون بالفصل القريب ويكون الجنس متحصّلا بتحصّله ، وحينئذ فالعوارض اللاحقة للفصل لا حقة لذات النوع ولو بالواسطة ، بخلاف لواحق الجنس فإنّه لا خصوصية لتلك الذات في لحوقها ، وليس لحوقها لاستعداد حاصل في خصوصها ، ومجرّد كون الجنس ذاتيا للنوع لا يقضي بكون عوارضه ذاتية له ؛ لما عرفت من عدم ارتباطها إلّا بالأمر العامّ.
وتوضيح المقام : أنّ التحقيق في العوارض الذاتية أنّها هي المستندة إلى ذات
__________________
ـ يقضي ذلك بكون المعروض ذاتيا؟ على أنّ المباين في الوجود بالمعنى المقابل للمساوي فيه لا يعقل أن يكون واسطة في العروض ، إلّا أن يحمل المباينة على مجرّد عدم الملازمة في الوجود ، كما يدلّ عليه التمثيل بالسفينة والجالس فيها ، إذ المفروض اجتماعهما في الوجود جزئيا ، فيندفع عنه المناقشة الاولى أيضا ، إذ لا واسطة بينهما حينئذ. وهو كما ترى (منه رحمهالله).