لا بد حينئذ من
تعريفه بما حكاه الشيخ عن شارح المختصر من الصغرى والكبرى ، فان حجيته على
الأمارية إن كانت من باب الظن النوعيّ انطبق عليه الصغرى ، أعني كون الشيء متيقن
الحدوث ولم يظن عدمه ، فان نفس هذه الحالة تورث الظن النوعيّ بالبقاء ، لأنّ ما
ثبت يدوم غالبا. وان كانت من باب الظن الشخصي ، وقد ثبت اعتباره في عدة موارد ،
كباب القبلة والشك في عدد الركعات وغير ذلك ، انطبق عليه الكبرى أو النتيجة أعني
الظن بالبقاء.
وبناء على كون
الاستصحاب أصلا ، أي وظيفة مجعولة للشاك وعدم حجية مثبتاته ـ على ما بنى عليه
الشيخ ـ صح تعريفه (بحكم الشارع بالبقاء) لكن لا ببقاء الحكم أو الموضوع كما هو
صريح عبارة الكفاية ، لأن دليل حجية الاستصحاب هو الأخبار ، وليس فيها من إبقاء
المتيقن أثر ولا عين ، بل الحكم ببقاء اليقين السابق من حيث الجري العملي على طبقه
، فانه الظاهر من الأدلة ، فما في الكفاية غير خال من المسامحة على كل تقدير.
فظهر بما بيناه
عدم إمكان تعريف الاستصحاب بمعنى واحد يرد عليه النفي والإثبات على جميع الأقوال ،
بل لا بد على كل قول من تعريف يوافقه.
الجهة الثانية : في كون الاستصحاب من
المسائل الأصولية أو القواعد الفقهية. قد بينا في أول مباحث الألفاظ ان ضابط المسألة الأصولية
استنباط حكم فرعي منها مع قطع النّظر عن ثبوت أيّ مسألة غيرها ، وأوضحنا هناك كون
جملة من مباحث الألفاظ كبحث الأوامر والنواهي من هذا القبيل ، وعلى هذا لا ريب في
كون الاستصحاب قاعدة فقهية على المختار من اختصاصه بالشبهات الموضوعية والأحكام
الجزئية ، ويكون الميزان فيه بيقين المقلد وشكه ، فهو يجري الاستصحاب ، وان علم
مقلّده بانتقاض حالته السابقة ، كما هو شأن كل قاعدة فقهية من قاعدة الطهارة
والفراغ ونحوها.