والمراد باستدارة تلك الطينة ـ والله أعلم ـ إمّا الاستدارة الحسّية أي تكون مستديرة في الحجم والشكل والهيئة ولو كانت جزءا صغيرا ، سواء كانت جزءا واحدا أو أجزاء متعدّدة متفرّقة ، لكن بحيث تكون صلبة في الغاية لا تزول عنها تلك الصورة الجسميّة والنوعيّة ، ولا تفنى ولا تستحيل ولا تصير ترابا ولا رفاتا ولا جزء بدن حيوان أصلا. وإمّا الاستدارة المعنويّة أي الدائر وجودها مع وجود البدن وخرابه ، ومع كلّ حالة تطرأ على البدن ، حتّى أن لو فرضنا صيرورة بدن الإنسان ترابا ، وفرضنا أن صنع منه إناء تبقى تلك الطينة ، إمّا خارجة عن ذلك التراب المصنوع إناء ، وإمّا داخلة فيه غير طارئة عليها الصورة الإنائيّة ، سواء كانت متجزّية أو غير متجزّية ، وإن كان يخفى ذلك على الحسّ.
والحاصل أنّه بعد خراب البدن تبقى في القبر النطفة المنويّة المخلوطة بالتراب المعبّر عنها بالطينة ، التي هي أصل أجزاء بدن الإنسان ، ومبدأ تكوّنه ونشئه بمادّتها بل بصورتها أيضا ، كما أخبر به الصادقون ، بل ربما يدلّ بعض الأخبار على أنّه يبقى أيضا روحه الحيواني الذي يقولون إنّه جسم لطيف رقيق ، وكذا التراب الذي خلق منه الإنسان ، كما سيأتي بيانه فيما بعد في فصل تعديد المذاهب في النفس.
فعلى هذا فلا يلزم أن يكون بدن الإنسان معدوما بالمرّة ، بل المعدوم منه على تقدير التسليم إنّما هو الأجزاء الفضلية غير الأصلية بصورتها لا بمادّتها وكذا الاتّصال الواقع بينها ، وأمّا ما هو الأصل في تكوّنه ، سواء كان جزءا واحدا أو أجزاء متعدّدة متفرّقة فهو باق بمادّته بل بصورته أيضا. (١)
وعلى هذا فالبدن المعاد عين البدن المبتدأ في الأجزاء الأصليّة ، وكذا بحسب الروح الحيواني مطلقا أي مادّة وصورة ، وكذا عينه باعتبار الأجزاء الفضلية ، بحسب المادّة ، ومثله بحسب الصورة.
وحيث عرفت ما ذكرنا حصل لك الجواب عن شبهة المنكرين للمعاد الجسماني الذاهبين إلى انعدام بدن الإنسان بالكليّة ، وظهر لك اندفاع تلك الشبهة على كلّ مذهب من المذاهب المقولة في الجسم ، سواء كان مذهب الحكماء المشّائين منهم ، أو الإشراقيّين ، أو مذهب المتكلّمين. وتلخّص لك توجيه المعاد الجسماني أي معاد البدن
__________________
(١) ما ذكره المؤلّف عبارة عن تسليمه بالإرادة الجزافية كما عليها أرباب الكلام.