في بيان معنى ما دلّ من السمعيّات
على هلاك كلّ ما سواه أو على الفناء بالمرّة
ثمّ إنّه قد وردت في القرآن الكريم آيات اخر في هذا المقام :
منها قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ). (١)
وهذه مفادها لو كان المراد بالنفس ، النفس بالمعنى المصطلح ، أنّ كلّ نفس تذوق الموت بخراب بدنها وزوال الجسم الذي هي متعلّقة به نوعا من التعلّق ، وتنقطع علاقتها عنه ، فيشمل هذا كلّ ذي نفس مجرّدة من الإنس والجنّ والملك والفلك ، ولو كان المراد بالنفس أعمّ من النفس المجرّدة والمنطبعة كالصور والقوى الحالّة في الأجسام ، كان مفاد الآية أنّ كلّ نفس مجرّدة أو منطبعة تذوق الموت ، أمّا النفس المجرّدة فكما ذكر ، وأمّا المنطبعة فبفسادها في ذاتها ، وزوالها عن مادّتها ، لقبول تلك المادّة فسادها عنها من غير فساد ذات المادّة بذاتها.
ومنه يعلم الحال لو اريد بالنفس ذات الشيء ، أي الشيء مطلقا مجرّدا كان أم مادّيا ، فلكيّا كان أم عنصريّا وحينئذ لو لم نقل بالعقول المجرّدة ، لكان عموم كلّ شيء في الآية باقيا بحاله ، ولو قلنا بها ينبغي تخصيص ذلك العموم بما سوى العقول ونحوها ، إذ الدليل العقلي كما مضى ذكره ، قائم على بقاء الموجودات المجرّدة عن المادّة في ذاتها ، وكذا المفروض أن لا مادّة هنا يتعلّق بها العقل ، حتّى يمكن أن يقال إنّ موته عبارة عن قطع تعلّقه عن تلك المادّة كما ينبغي تخصيصه بغير الصادر الأوّل أيضا.
وكذا بغير موجودات النشأة الاخرويّة ، حيث إنّا قد أقمنا فيما مضى الدليل على بقائها
__________________
(١) آل عمران : ١٨٥ ؛ الأنبياء : ٣٥.