عارفا بالله تعالى واسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله وصنائعه الكلّية والجزئية ، عابدا له تعالى عاملا بما أمره ونهاه من الكلّيات والجزئيات.
وبالجملة أن يكون من شأنه الإدراكات الجزئيّة والأفعال التي هي من خصائص المادّيات والمتعلّقات بالمادّة ، مضافا إلى الإدراكات الكلّية والأفعال التي هي من خصائص المجرّدات عنها ، وكان لا يتمّ وجود من شأنه هكذا إلّا بوجود شيئين :
أحدهما شيء مجرّد عن المادّة في ذاته ، متعلّق بالمادّة في أفعاله الجزئية ، وهو الذي نسمّيه بالنفس ، ليكون هو بذاته ممّا يصدر عنه إدراك الكلّيات والمجرّدات عن المادّة ، ويكون أيضا سبب تعلّقه بالمادّة نوع تعلّق ممّا يصدر عند الأفعال التي هي من خصائص المادّيات.
والآخر شيء متعلّق القوام بالمادّة من جسم يصلح أن يكون آلة للأوّل في أفعاله المختصّة بالمادّيات ، ويكون هو محتاجا إلى الأوّل بحيث يكون الأوّل متعلّقا به تعلّق التدبير والتصرّف ، كما أنّ الأوّل محتاج إلى الثاني بحسب أفعاله الجزئيّة. وبالجملة أن يكون بين الأوّل والثاني ارتباط تامّ واحتياج كامل ، وهذا الشيء الثاني هو الذي نسمّيه بالبدن. وكان أيضا هذا الشيء الذي نسمّيه بالبدن ، حيث كان آلة لشيء مجرّد مفارق ينبغي أن يكون له نوع شرافة وكمال ، منشؤه نوع وحدة بسببها كان قريبا من المبدأ الفيّاض الواحد بالذات الكامل من جميع الجهات المفيض عليه صورة كاملة ، وأن يكون جسما مناسبا للمجرّد في الشرافة والكمال ، ويكون له نوع من الوحدة ، ليصلح أن يكون آلة للمجرّد ، ومرتبطا به ارتباطا تامّا ، فلا يمكن أن يكون ممّا ليس فيه تلك الوحدة المناسبة ، كالبسائط من العنصريّات التي فيها الكيفيّات المتضادّة بالفعل ، وكبعض المركّبات الاسطقسية البعيدة من الوحدة والاعتدال ، بل يجب أن يكون مركّبا معتدلا نوع اعتدال ، وواحدا نوع وحدة ، بهما تفيض (١) عليه من المبدأ الفيّاض صورة وحدانيّة كاملة ، بها يصلح أن يكون آلة للأوّل الذي هو أيضا كامل بالذات وبحسب الافعال ، أي الصورة الإنسانيّة التي هي أكمل الصور وأتمّها وأقربها إلى الوحدة الحقيقية وكان أيضا وجود هذا البدن ممّا لا يمكن أن يكون دفعة ، لتوقّف حصوله على حصول مزاج خاصّ يستدعي
__________________
(١) تفاض (خ ل).