لإمكان فسادها ليست كذلك ، فإنها كما هو المعلوم بالبديهة متغيّرة غير باقية بعينها ، وبذلك المزاج الخاص والتركيب الخاص والصورة المخصوصة التي هي بتلك الجهات جميعا لا بمادّتها وحدها ، يمكن أن تعتبر بدنا للنفس.
وليس الأمر كما ظنّه صدر الأفاضل فيما نقلنا عنه في جواب هذا السؤال : «إنّ كلّ مرتبة سابقة من تلك المراتب باقية مع المرتّبة اللاحقة ، وإنّ هذه المراتب ، استكمالات مترادفة وليست إلّا ضربا من الاشتداد ، لا بأن تحدث صورة فتفسد ، ثمّ تحدث صورة اخرى مباينة للاولى» ، لكون ما ادّعاه من عدم الكون والفساد مخالفا للبديهة.
وأيضا فإنّ عدم المباينة وإن كان مسلّما ، لكن عدم المغايرة وعدم الاختلاف غير مسلّم ، بل الاختلاف والمغايرة ممّا لا يمكن إنكاره ، وفيه المطلوب.
ويدلّ عليه قوله تعالى : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) (١).
وعلى هذا فيكون ما هو المفروض محلّا لذلك في كلّ مرتبة لا حقة ، غير ما هو في المرتبة السابقة ، إمّا بالذات أو بتلك الجهة السابقة ، وقد ثبت عندهم أنّ النفس في اولى تلك المراتب أي المرتبة المنويّة ، تكون فائضة عن المبدأ الفيّاض ، متعلّقة بتلك المرتبة البدنية ، باقية بعدها بعينها إلى آخر تلك المراتب ، وإلى ما بعدها إلى أوان حلول الأجل وانقطاع علاقتها عن البدن ، وأنّها في جميع تلك المراتب متعلّقة بالبدن باقية بعينها ، واحدة بالذات ، مختلفة بحسب الأفعال وباعتبار مراتب الكمالات ، لا أنّها تفسد وتحدث اخرى ، ولا أنّها تبقى وتحدث اخرى مجتمعة معها ، كما مرّت الإشارة إليه وسيأتي تحقيقه. وحينئذ فالنفس وكذا تعلّقها بالبدن باقيان في تلك المراتب ، وتلك المراتب متغيّرة غير باقية بعينها ، فكيف يمكن أن تكون تلك المراتب مع تغيّرها حاملة لإمكان تعلّق النفس بها ، مع أنّه يجب أن يكون حامل إمكان كائن باقيا في الحالين. ولو سلّم بقاء تلك المراتب بموادّها وصورها حتّى يمكن أن يفرض كونها حاملة لإمكان تعلّقها وبقاء التعلّق ، فكيف يمكن أن يكون مرتبة من المراتب البدنيّة مع موادّها وصورها حاملة لإمكان فساد النفس عنها ، مع أنّه يجب أن يكون حامل إمكان الفساد هو بعينه حاملا لإمكان الحدوث ، وباقيا في حالة الفساد ، كما مرّ وجهه ، والحال أنّا نجزم أنّ تلك المرتبة
__________________
(١) الزمر : ٦.