واستاقا الجملين إلى الغيط ، فدخل إليه جاره وعرّفه القصّة فقال : أمّا أنا فما بقيت أنتفع بهذا ، لأنّه شيء ، قد عصي الله فيه ، وقد صار لك فيه حقّ ، ولهذين الأميرين ولأصحاب الأرض الّتي سلكها الغاصب. فأخذه المعرّف ، وكافأ الشّيخ الأميرين بشيء.
وقال مرّة لرجل : أمّا أنا فما أعلّق قلبي منه لا بطعام ولا بشراب ، أأكون بهيمة هنا وبهيمة هناك همّه بطنه ، إنّما أطلب منه الرّضى وما عداه فضلة.
قال المؤلّف : لأنّ غاية نعيم المؤمنين أن يحلّ الله عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا ، وهو أفخر العطايا.
وقال لي بعض الأكابر بعد وفاة الشّيخ رحمهالله : هل عاينت منه خارقا أو تكلّم معك على خاطر؟ فقلت : لا ، إلّا شيئا خفيا من جنس الفراسة.
هذا على أنّني سمعت في حياته وبعد وفاته ممّن صحبه أنّه كان يحدّثهم بما صنعوا في بيوتهم ممّا فيه نصيحة أو في ذكره فائدة.
قال لي ابن القفّاص الفقيه : تزوّجت وأعرست ، فأرقت ليلة ولم أدخل إلى فراشي ، فانقبضت العروس لانقباضي ، فلمّا خرجت إليه قال لي الشّيخ : ويلك أخطأت في المعاشرة ، شوّشت اللّيلة على أهلك بانقباضك واستنادك إلى الخزانة.
وكان فكري يضيق بي فناولني الشّيخ عشرة دراهم وقال : خذ بهذه شيئا يصلح لغداء العرائس.
وذكر ابن القفّاص عدّة كرامات أوردها المؤلّف. وذكر حكاية في هذا المعنى عن الصّاحب بهاء الدين ، عن الشّيخ خضر الكرديّ شيخ الملك الظّاهر ، عن الشّيخ. ثمّ قال : ولمّا جاء الصّاحب بهاء الدّين إلى البلد عزم أن لا يدخلها حتّى يزور الشّيخ. وكنت معه ، فلمّا وصلنا إلى قصر الشّيخ ، نزل الصّاحب من بعيد ، وقالوا للشّيخ ، فقال : الفقيه معه؟ قالوا ، نعم. فقال : وما تريد؟ قال : البركة. فسكت ونحن وقوف. فقلت للصّاحب : اجلس. فقال : لا. وغلبت عليه الهيبة وتجلّد ، وطال وقوفه ، فقلت للصّاحب. اطلب منه شيئا خاصّا. فقال : الموعظة.