الفصل الثالث عشر
في
البحث عن الطريق الذي يعرّف
الرسول كونه رسولا من عند الله عزوجل
قال الطاعنون في المعجزات : هب أن الأمة يعرفون بواسطة المعجزات كون الرسول إنسانا أمينا صادقا في دعواه. أما الرسول فكيف يعرف كونه رسولا؟ وذلك لأن ثبوت رسالته ، إما أن يكون لأجل أن الله تعالى يرفع الواسطة من البين. ويقول : أيها العبد أنت رسولي إلى الخلق ، وإما أن يكون لأجل أن الله تعالى يرسل إليه ملكا ، ويقول له ذلك الملك : أنت رسول الله تعالى إلى الخلق.
أما القسم الأول : فبعيد. وأكثر الأنبياء مطبقون على أنهم إنما جاءتهم الرسالة من عند الله بواسطة الملك. فيبقى القسم الثاني ، فنقول : كما أن الأمة مفتقرون في التمييز بين المدعي المحق ، وبين المدعي المبطل إلى الحجة ، فكذلك الرسول لا يمكنه التمييز بين الملك المعصوم ، وبين الشيطان المرجوم ، إلا بالمعجز. لكن لا سبيل إلى هذا المعجز. وذلك لأن الرسول البشري لا يعرف ما يوافق العادة ، في عالم الملائكة ، وما يخالف العادة هناك. فكل معجز يأتي به الملك في تقرير أنه محق ، فإن الرسول البشري يجوز أن يكون ذلك أمرا موافقا للعادة في عالم الملائكة. وبهذا التقدير فإن ذلك الملك لا يقدر على تقرير الحجة على كونه ملكا معصوما. فإن قالوا : إنه إذا أتى الملك بفعل خاص ، ثبت بالدليل أنه لا يقدر على إحداثه أحد إلا الله سبحانه وتعالى ـ فحينئذ يعرف