الفصل الأول
في
تمييز هذا الطريق عن الطريق المتقدم
فنقول (١) : أعلم أن القائلين بالنبوات فريقان : أحدهما : الذين يقولون : إن ظهور المعجزات على يده ، يدل على صدقه. ثم إنا نستدل بقوله على تحقيق الحق ، وإبطال الباطل. وهذا القول هو الطريق الأول ، وعليه عامة أرباب الملل والنحل (٢).
والقول الثاني : أن نقول : إنا نعرف أولا أن القول في الاعتقادات ما هو؟ وأن الصواب في الأعمال ما هو؟ فإذا عرفنا ذلك ، ثم رأينا إنسانا يدعو الخلق إلى الدين الحق ، ورأينا أن لقوله أثرا قويا في صرف الخلق من الباطل إلى الحق ، عرفنا أنه نبي صادق ، واجب الاتباع. وهذا الطريق أقرب إلى العقل ، والشبهات فيه أقل. وتقريره لا بد وأن يكون مسبوقا بمقدمات :
المقدمة الأولى : أعلم أن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخير
__________________
(١) عبارة النسخ : «القسم الثاني من كتاب النبوات في تقرير القول بالنبوة على طريق آخر ، وفيه فصول. الفصل الأول في تمييز ... الخ».
(٢) وهو الصحيح لأن الناس لما كانوا يكرهون من يتميز عليهم ، يطلبون من الذي يقول لهم : إني نبي ، يطلبون منه شيئا خارقا للعادة ، وهو المعجزة. والله تعالى يظهر المعجزة دلالة على أنه صادق ، وهذا واضح من معجزات صالح وموسى وعيسى عليهمالسلام. أما الطريق الثاني وهو كون النبي كاملا ، ويقدر على تكميل الناقصين ، فقول يقول به من الفلاسفة من ينكر خرق العادات ، وينكر الملائكة. وهو قول باطل ، لأن القرآن أشار إلى المعجزات في إثبات النبوة ...