والقرآن دل على أن بعد الإيمان بالله تعالى ، لا يجب الإيمان بشيء آخر ، إلا بالملائكة. فقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (١) والقرآن دل أيضا : على أنهم أصحاب القدر الظاهرة ، والقوى الغالبة ، فإن جبريل عليهالسلام قلع مدائن قوم لوط من قعور الأرض ، ورفعها إلى قريب من السماء ، ثم رماها على الأرض. وأيضا : القرآن (٢) يدل على أن القرآن إنما وصل إلى محمد عليهالسلام من قبل جبريل ، فإنه قال : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٣) وقال في سورة الشعراء : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ) (٤) وقال : (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [فبين أن هذا القرآن إنما وصل إلى محمد عليهالسلام بواسطة رسول كريم (٦)] وقال أيضا : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى)» (٧).
إذا عرفت هذا فنقول : إنا قبل العلم بعصمة الملائكة عن القبائح والأكاذيب والأضاليل ، نجوز أن تكون هذه المعجزات ، وإنما ظهرت على الأنبياء من قبلهم وبإعانتهم ، وعلى هذا التقدير فلا يبقى في هذه المعجزات فائدة البتة ، ما لم نعلم كون الملائكة معصومين من الأباطيل والأكاذيب. والعلم بعصمتهم لا يحصل من الدلائل العقلية ، بل من الدلائل النقلية. فعلى هذا يتوقف حصول العلم [بعصمتهم على العلم (٨)] بصحة الدلائل النقلية [والعلم بصحة الدلائل النقلية يتوقف على (٩)] العلم بصدق الرسل ، في ادعاء
__________________
(١) البقرة ٢٨٥.
(٢) في (ت) : تكرير.
(٣) البقرة ٩٧.
(٤) الشعراء ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٥) التكوير ١٧ ـ ١٩.
(٦) سقط (ل) ، (طا).
(٧) النجم ٥ ـ ٦.
(٨) سقط (ت).
(٩) من (ط).