الثاني أولى لما قيل : إن الدفع أسهل من الرفع.
والثاني : إن طريان ذلك الضد الأول. فلو عللنا زوال الضد الأول ، بطريان الثاني. لزم الدور.
والثالث : إن الذي يفرض مضادا لوجود [هذه النفس (١)] إما أن يكون عرضا أو متحيزا ، أو جوهرا (٢) مجردا. والأولان باطلان. لأنا بينا : أن العرض والجسم أضعف حالا من الجوهر المجرد ، والأضعف لا يقوى على إعدام الأقوى ، ولأن الأجسام والأعراض موجودة مع هذه النفوس الحاضرة. وذلك يدل على انتفاء المضادة بينها وبين النفوس. والثالث أيضا محال. لأنا إن قلنا : النفوس الناطقة متماثلة ، فقد زال هذا الخيال ، لأن المضادة والمعاندة لا تحصل إلا عند اختلاف الطبائع والماهيات. وإن قلنا : إنها مختلفة في الماهيات. فالمضادة أيضا غير حاصلة. لأنا نعلم بالضرورة : أن جواهر النفوس غير متدافعة (٣) ولا متمانعة. بدليل : الاستقراء التام. فإن نفوس الناس الحاضرين لا يضاد بعضها بعضا. والاستقراء يفيد الظن الغالب.
وأما بيان فساد القسم الثاني : وهو القول بأن هذه النفوس عدمت لعدم شيء كانت النفوس محتاجة إليه. فهو أنا سنقيم الدلالة على أن العلل الموجدة لجواهر النفوس : موجودات مجردة دائمة مبرأة عن الحدوث والزوال. وكذلك العلل الموجدة للمعارف الحاصلة في جواهر النفوس : موجودات مجردة مصونة عن الفناء والزوال. وإذا كان الأمر كذلك ، امتنع أن يقال : إن هذه النفوس تعدم بعدم عللها. فلم يبق إلا أن يقال : إنه لا شك أن تأثير تلك العلل في وجود هذه النفوس [الحادثة قد كان موقوفا على شرط حادث ، وإلا لدام (٤)] المعلوم بدوام العلة ، فزالت هذه النفوس ، [لزوال (٥)] تلك الشرائط.
__________________
(١) لوجودها (م).
(٢) موجودا : غير (م).
(٣) مضادة (م).
(٤) النفوس يعدم لعدم عللها ، وإلا لزم المعلول .. (م).
(٥) سقط (ط).