تحصل الحاجة إلى إثبات مادة لجوهر النفس. وأما الإمكان الحادث بعد الفساد ، فلا بد له من محل ومادة. وذلك المحل والمادة ، يمتنع أن يكون هو البدن. لأنه غير باق ، بعد الفساد [فوجب إثبات مادة لذات النفس ولجوهرها ، حتى يصير محلا لإمكان الفساد (١)] فظهر الفرق.
وأما السؤال الرابع : وهو قوله : «لم لا يجوز أن تكون الصورة الزائلة عند موت البدن ، شرطا لكون ذلك الجوهر القائم بالنفس موصوفا بالحياة والعلم والقدرة؟» فجوابه : إن كون النفس موصوفة بالحياة والعلم والقدرة ، لا يجوز أن يكون شرطا لتعلقها بالبدن. وذلك لأن تعلقها مشروط بكونها في ذاتها حية عالمة قادرة. فلو كان اتصافها بهذه الصفات ، مشروط بتعلق (٢) النفس بالبدن ، لزم افتقار كل واحد منهما إلى الآخر (٣) وذلك دور. وهو باطل. فهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل [والله أعلم (٤)].
الحجة الثانية في بيان أن النفس الناطقة لا تقبل الفساد : إنها لو عدمت بعد وجودها ، لكان عدمها لا بد وأن يكون ، إما لوجود شيء ، كانت النفس محتاجة إلى عدمه ، أو لعدم شيء كانت النفس محتاجة إلى وجوده. والقسمان باطلان ، فبطل القول بعدمها. أما الحصر فظاهر ، وأما بيان فساد القسم الأول وهو أن النفس تعدم لوجود شيء كانت النفس محتاجة إلى عدمه.
فهو أن نقول : إن ذلك الشيء يجب أن يكون ضدا لجوهر النفس ، ويجب أن يقال: إن ذلك الضد ما كان موجودا حال بقاء النفس ، وإنما حدث بعد ذلك. وهو محال لوجوه:
الأول : إن المضادة حاصلة من الجانبين ، فلم يكن فناء النفس لأجل حدوث ذلك الضد ، أولى من اندفاع ذلك الضد ، لأجل قيام النفس ، بل هذا
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) بتعلقها بالبدن (ل).
(٣) الأجزاء (م).
(٤) من (طا ، ل).