ولنرجع إلى التفصلايل ، فنقول :
أما النقض الأول : وهو قولكم : «النقط المعترضة في سطح الفلك ، متساوية في تمام الماهية ، فتعين نقطتين في جملة [تلك (١)] النقط القطبية ، دون سائر النقط ، يكون رجحانا لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح» فنقول : الجواب عنه : إن الحركة ومتى وقعت على الوجه المخصوص المعين ، وجب تعين هاتين النقطتين للقطبية ، لأنه محال عقلا : أن تقع الحركة على هذا الوجه الخاص ، إلا وتتعين هاتان النقطتان للقطبية ، فإن قالوا : هب أن الأمر كذلك ، إلا أنا نقول : فلم وقعت حركة الفلك على هذا الوجه الخاص المعين ، دون سائر الوجوه المحتملة (٢)؟ فنقول : هذا هو النقض الثاني ، ولنا في الجواب عنه مقامات:
المقام الأول : إنا قد دللنا على (٣) حدوث العالم في الوقت الذي حدث فيه [وحدوثه (٤)] أيضا قبل ذلك ممكنا. إذ لو كان حدوثه قبل ذلك ممتنعا لذاته ، ثم انقلب ممكنا لذاته لكان الشيء الواحد قد انقلب (٥) من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي ، وهو محال. وأيضا : فحدوثه بعد أن حدث بدلا عنه أيضا ممكن بعين هذا الدليل. فيثبت : أن ابتداء حدوث العالم في ذلك الوقت وقبله وبعده : ممكن. وأن ذلك الإمكان ثابت في كل الأوقات على السوية. وإذا كان الأمر كذلك ، فإن اختصاص حدوث العالم بذلك الوقت المعين ، مع كونه مساويا لسائر الأوقات ، رجحانا لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وأنه محال. فهذا [تمام (٦)] تقرير الدليل المذكور. وإذا عرفت هذا فنقول : النقض المذكور إنما يتوجه على هذا الدليل ، إذا أقمتم البرهان على أن جرم هذا الفلك المعين ، قابل للحركة على هذا الوجه المعين ، وقابل لسائر الحركات المضادة لها ، وعلى
__________________
(١) من (ط).
(٢) المحصلة (ت).
(٣) أن (ط).
(٤) انتقل (ط).
(٥) تمام (ط)