فقد جوزتم حصول رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وذلك باطل. وإن أحوجتموه إلى مرجح ، عاد البحث في أن ذلك المرجح ، هل هو صالح للطرفين ، أو غير صالح إلا للطرف الواحد؟ وأما إن كان الحق هو القسم الثاني ، وهو أن تلك الإرادة متعينة لاقتضاء إحداث العالم في ذلك الوقت المعين ، وليس لها صلاحية اقتضاء إحداث العالم في سائر الأوقات ، فحينئذ لا يكون الله تعالى مختارا بل كان موجبا بالذات لهذا الأمر المعين [فإن ذاته مستلزمة لتلك الإرادة ، وتلك الإرادة مستلزمة لإحداث العالم في ذلك الوقت المعين (١)] ومستلزم المستلزم : مستلزم. فتكون ذات الله [تعالى (٢)] مستلزمة لإحداث العالم في ذلك الوقت المعين ، وليس له إمكان إحداثه في وقت آخر ، فلا معنى للموجب إلا ذلك. وهذا يقدح في قولكم : إن إله العالم فاعل مختار.
الحجة الثالثة في بيان ضعف هذا الكلام : أن نقول : [إن (٣)] تلك الإرادة [لما (٤)] اقتضت إحداث العالم في ذلك الوقت المعين. فذلك الوقت المعين هل هو حاضر في الأزل أو غير حاضر في الأزل؟ فإن كان حاضرا في الأزل ، لزم حصول الأثر لا محالة في الأزل ، وإن كان غير حاضر في الأزل ، فذلك الوقت المعين أمر حادث ، فلا بد وأن يكون حدوثه بإحداث الله [تعالى (٥)] فإما أن يقال : إنه تعالى أراد إحداث ذلك الوقت ، من غير أن يختص إحداثه بوقت معين ، أو يقال : إنه أراد إحداثه بشرط أن يختص إحداثه بوقت معين ، فإن كان الأول ، لزم أن يكون ذلك الوقت حاصلا [في الأزل (٦)] وحينئذ يعود ما ذكرنا من أنه يلزم قدم الأثر ، وإن كان الثاني وهو أنه تعالى أراد إحداث ذلك الوقت في وقت آخر معين ، لزم افتقار ذلك الوقت إلى
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) من (ت).
(٣) من (ت).
(٤) (ط ، س).
(٥) من (ت).
(٦) من (ط).