الوقت أصلح للمكلفين من إحداثه في سائر الأوقات فلأجل هذا المعنى اختص إحداث العالم بذلك الوقت المعين؟
أقصى ما في الباب أن يقال : إنا لا نعرف لذلك الوقت المعين خاصية معينة ، إلا أنا نقول : عدم علمنا بذلك لا يقدح في حصوله [في ذلك الوقت (١)]
الوجه الثالث في الجواب : أنه تعالى عالم بجميع الجزئيات ، وهذا يقتضي أنه تعالى كان عالما في الأزل ، بأن العالم يحدث في الوقت الفلاني بعينه. ومعلوم الله تعالى واجب الوقوع ، ممتنع التغير. والإرادة لا تعلق لها بالمحالات ، فلا جرم تعلقت إرادة الله [تعالى (٢)] بإيقاع العالم في ذلك الوقت المعين ، ولم تتعلق بإيقاعه في سائر الأوقات.
الوجه الرابع في الجواب : لم لا يجوز أن يقال : إنما لم تتعلق الإرادة بإحداث العالم في الأزل ، لأن الحدوث عبارة عن الوجود الذي سبقه العدم ، والأزل عبارة عن نفي الأولية ، والجميع بينهما محال ، والمحال غير مقدور ولا مراد. وإذا ثبت هذا ، ظهر أن حصول الأزل مانع من الحدوث ، فكان الحدوث في الأزل محالا ، فلهذا السبب لم تتعلق إرادة العالم في الأزل.
الوجه الخامس في الجواب : لم لا يجوز أن يقال : العالم قبل أن حدث ، كان ممتنع الوجود لعينه ولذاته ، ثم انقلب ممكن الوجود لعينه ولذاته ، فلهذا السبب لم تتعلق إرادة الله تعالى بإحداثه قبل الوقت الذي أحدثه فيه.
الوجه السادس في الجواب : لم لا يجوز أن يقال : إن قول القائل لم تعلقت إرادة الله تعالى بإحداث العالم في هذا الوقت : سؤال باطل ، لأن تلك الإرادة لو تعلقت بإحداث العالم في هذا الوقت : سؤال باطل ، لأن تلك الإرادة لو تعلقت بإحداث العالم في وقت آخر ، لا في هذا الوقت ، لكان ذلك السؤال المذكور عائدا ، ولما كان ذلك السؤال عائدا على كل التقديرات كان باطلا؟
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ت)