وأما بيان الثالث : فهو أنه لما كان الأثر حاصلا مع المؤثر في الأزل ، فقد سقط القول : بأن التأثير الأزلي : محال. وقد تقدم تقرير هذا الدليل.
الحجة الثامنة : إنا لو فرضنا حادثا وتصورنا أنه حدث ، مع وجوب أن يحدث. فإنا نحكم بامتناع استناده إلى السبب المنفصل ، لأنا لما اعتقدنا [فيه (١)] أنه حدث مع وجوب أن يحدث ، كان راجح الوجود لنفسه. فلو أسندناه إلى غيره ، فحينئذ يلزم أن يكون واجب الوجود [لذاته ، واجب الوجود (٢)] وهو محال. لأن كونه واجب الوجود بذاته ، يقتضي أن لا يلزم من فرض عدم غيره : عدمه وكونه واجب الوجود بذاته ، يقتضي أن لا يلزم من فرض عدم غيره : عدمه. فلو كان شيء [واحد (٣)] واجب الوجود لذاته ، ولغيره معا ، لزم الجمع بين النقيضين. وهو محال. فيثبت : أنا لو فرضنا حادثا ، وتصورنا أنه حدث ، مع وجوب أن يحدث. فإنا نحكم عليه بالاستغناء عن المؤثر. وأما إذا تصورنا ماهيته ، وتصورنا أن نسبة الوجود والعدم إليها على الاستواء (٤) فههنا يحكم العقل بأنه لو لا المرجح ، لامتنع حصول الرجحان. ولا يفتقر في هذا الحكم إلى اعتقاد أنه حادث أم لا؟ فيثبت بما ذكرنا : أن مجرد كونه ممكنا ، يحوجه إلى المؤثر ، وأن كونه حادثا لا يحوجه إلى المؤثر. فيثبت : أن علة الحاجة هي الإمكان ، لا الحدوث.
الحجة التاسعة : إن منشأ الحاجة. إما الماهية حال كونها موجودة ، أو الماهية حال كونها معدومة ، أو الماهية مع [حذف (٥)] هذين القيدين. والأول باطل. لأن الماهية حال كونها موجودة ، واجبة الوجود ، ووجوب الوجود يغني عن المؤثر ولا يحوج إليه. والثاني باطل. لأن الماهية حال كونها معدومة (٦)
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط ، ت)
(٤) السوية (ط)
(٥) من (ط)
(٦) موجودة (ط ، ت)