الظاهرة : أن هيولى الجسم ، يمتنع خلوها عن الجسمية.
إذا ثبت هذا ، فنقول : إن تلك الهيولى ، إن كانت قابلة للعدم ، افتقرت إلى هيولى أخرى ، ولزم التسلسل. وإن لم تكن قابلة للعدم ، وثبت أنه يمتنع خلوها عن الصورة الجسمية ، فحينئذ يلزم أن الجسم لا يقبل العدم.
الحجة الثالثة : إنا إذا (١) فرضنا عدم الأبعاد الثلاثة ، فبعد ذلك ، هل يتميز جانب الفوق ، عن جانب التحت ، والقدام عن الوراء ، واليمين عن الشمال (٢)؟ فإن لم يحصل هذا الامتياز ، فذلك باطل في بديهة العقل ، كما قررناه. وإن حصل هذا الامتياز ، فالأبعاد موجودة. وإذا كانت الأبعاد موجودة ، كانت الأجسام موجودة. على ما قررناه في المقالة المتقدمة.
الحجة الرابعة في بيان أن العالم يجب أن يكون أبديا : يقال : العالم حسن النظام ، جيد الصنعة. وما كان لا يبطله ولا ينقضه إلا شرير ، وإله العالم ليس بشرير ، فلا ينقضه. وظاهر أن غيره لا يقدر على نقضه ، فوجب أن لا يبطل هذا العالم ، ولا ينتقض أبدا. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى : صنعه لحكمة مخصوصة ، ثم إنه ينقضه ويبطله لحكمة أخرى. وأيضا : فهذا ينتقض بأشخاص العالم.
وأجاب عن الأول : بأن ما كان مصلحة ، قد ينقلب مفسدة في حق من كانت أفعاله موقوفة على حدوث شرائط ، لا يكون حدوثها من جهته. أما البارئ تعالى لما كان حدوث كل الحوادث منه ، وبإيجاده. فهذا التفاوت في حقه : محال. وأجاب عن السؤال الثاني : بأن حدوث الأشخاص في هذا العالم ، إنما (٣) كان بسبب أن حدوث هذه الحوادث السفلية ، مشروط بحدوث التغيرات الحاصلة ، بسبب اختلاف الحركات الفلكية. فلو قلنا مثل هذا المعنى في حدوث الحركات الفلكية ، لزم افتقار حدوث تلك الحوادث
__________________
(١) لو (ط)
(٢) اليسار (ط)
(٣) لما (ط)