وقد أشار في خطبته : «ثمّ اختار سبحانه لمحمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) لقاءَه ، ورضي له ما عنده ، وأكرمه عن دار الدنيا ، ورغب به عن مقارنة البلوى ، فقبضه إليه كريماً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هَمَلاً بغير طريق واضح ، ولا عَلَم قائم ، كتابَ ربّكم مبيّناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسّراً مجمله ، ومبيّناً غوامضه ، بيّن مأخوذ ميثاقُ علمه ، وموسع على العبادِ في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضُهُ ، ومعلوم في السنّة نسخه ، وواجب في السنّة أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ، ومباينٌ في محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، موسّع في أقصاه» (١).
ففي هذه الخطبة تعرّض أمير المؤمنين عليهالسلام إلى قضايا كلّية تخصّ المسائل الفقهية في الحلال والحرام ، والنافلة والفريضة ، والناسخ والمنسوخ ، والرخصة والعزيمة ، والخاصّ والعامّ ، ونحوها. وتلك الكلّيات وضعتها الشريعة من أجل تيسير أمور الاستنباط والاستدلال للأجيال اللاحقة لعصر النصّ.
فمن الحلال مثلاً : النكاح. ومن الحرام المقابل له : الزنا.
ومن الفضائل «او النوافل» ركعتي الصبح ، ونحوهما. ومن الفرائض : فريضة الصبح.
ومن الناسخ قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) (٢) ،
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦.
(٢) سورة التوبة ٩ : ٥.