لم يتعبّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاجتهاد :
وبسبب الوضع السياسي الذي أعقب عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاولات السلطة خلق الأحاديث المزوّرة المؤيّدة لشرعيّتها ، والمحاولات المستميتة لمنع كتابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد وقع خلاف حول مسألة مهمّة وهي : اجتهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فطرح السؤال بالشكل التالي : هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجتهد فيما لا نصّ فيه؟ والسؤال يحمل في ذاته تناقضاً صريحاً ، فكيف يجتهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟ وكيف يجتهد من عند نفسه وهو المأمور ببيان الأحكام الشرعية إلى الأمّة دون تبديل أو تغيير ، وقد قال تعالى في شأنه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَـمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (١)؟
وقد وقف فقهاء أئمّة أهل البيت عليهمالسلام موقفاً واضحاً في إدانة تلك الفكرة التي كان هدفها تثبيت «منهج الرأي» الشخصي في الشريعة الإسلامية. فقد «ذهبت الامامية وجماعة تابعوهم إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن متعبّداً بالاجتهاد في شيء من الأحكام ، خلافاً للجمهور (٢) لقوله تعالى : (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ الله) (٣) ، (وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (٤) ، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) (٥) ،
__________________
(١) سورة الحاقة ٦٩ : ٤٤ ـ ٤٦.
(٢) من أهل السنّة.
(٣) سورة المائدة ٥ : ٤٨.
(٤) سورة المائدة ٥ : ٤٤.
(٥) سورة النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.