والعجيب أن تراهم مع كلّ ذلك يتمحّلون لاعتراض عمر ، والذي كان بعد الحرب ، ورأيه بقتل الأُسارى ، بأنّ النهي والعتاب في الآية طال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً ؛ لأنّه لم ينهَ عن استبقاء الأسرى حين رآهم من العريش ، وفي المقابل فإنّ سعد بن معاذ وعمر بن الخطّاب وعبـد الله بن رواحة كرهوا ذلك ، مع إنّ الروايات التي رووها عن عمر ـ في ما زعم من فعله ـ تشير إلى أنّه كان بعد الحرب ، فكيف يتّفق ذلك مع القول بأنّ موضع النهي في الفعل الذي حدث كان أثناء الحرب؟!
وتمحّلوا أنّ قتل الأسرى الّذين فودوا ببدر كان أوْلى من فدائهم ، ويومئذ كان المسلمون قليلون فلمّا كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله عزّ وجلّ بعد هذا في الأسارى : (فَإِمَّا مَنَّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) في سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) (سورة القتال) ، فزعموا أنّ الآية الثانية في الأسرى ناسخة للأُولى وقد تقدّم تمام المطابقة بين الآيتين ، كما هو حكم الأُسارى من التفصيل بين أخذهم أثناء الحرب أو بعدها في مذهب الإمامية ، كما رووه عن الصادق عليهالسلام : «كان أبي يقول : إن للحرب حُكمين : إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت ؛ وهو قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلاَف أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) في سورة المائدة الآية ٣٣ ...
والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم