وبين قوله تعالى في سورة القتال (سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)) : (فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَروا فَضَرْبَ الرِّقابِ حتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فإمَّا مَنّاً بَعْدُ وإمّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزارَها) تمام التطابق ..
فإنّ آية الأنفال في الأُسارى تنفي وتنهى أن يكون لنبيّ أسرى ـ أي شدّ وثاق ـ قبل الإثخان وقبل إنهاك العدو وهزيمته وانتهاء الحرب والقتال في المعركة ، وشدّ الوثاق عبارة وكناية عن الأسر والاسترقاق ؛ فالآيتان في السورتين متطابقتان على تحديد القتل للأُسارى إلى غاية الإثخان ، وهو انتهاء الحرب ، وأنّ بعد الحرب لا يقتل الأسير ، وهو ما لا يتطابق مع إصرار عمر على قتل أُسارى بدر بعد الحرب.
ومن وضوح دلالة الآيتين على ذلك اضطر غير واحد منهم إلى الإقرار بأنّ معنى الآية في الأنفال هو : عتاب الله عزّ وجلّ لأصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والمعنى : ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبيّ أسرى قبل الإثخان ، ولهم هذا الإخبار بقوله تعالى : (تُريدونَ عَرَضَ الدُّنْيا) ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ولا أراد قط عرض الدنيا وإنّما فعله جمهور مباشـري الحرب (١).
فموضع العتاب الإلهي ومورد قوله تعالى : (لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ) (٢) هو : أخذ الأُسارى واستبقاؤهم وقت الحرب قبل الإثخان ؛ فالمؤاخذ على هذه الغنيمة هو بلحاظ أنّها أُخذت من غير حلّها ، مع الالتفات إلى أنّ الأُسارى لم يؤخذوا كلّهم وقت الحرب بل فيهم القليل ممّن أُخذ بعد الحرب ، كـ : العبّاس وعقيل ونوفل.
__________________
(١) تفسير القرطبي ٨ / ٤٥.
(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٨.