فإنّي لا أشـكّ في أنّـه متّى اتّقى الله سـبحانه وتعالى قال : إنّـه لم يكـن يعلم صحّة النصّ في حال اعتزاله سـاعةً قطّ ؛ فيكـون هذا مانعاً لك من أن تدّعي علَيَّ علم الضرورة وتنسـبني إلى المكـابرة.
فعند ذلك قال اليهودي للمعتزلي :
أيّها المتكـلّم! أنت تقول إنّك من أهل العدل ، وقد ماثَلْت (١) حالي في مخالفتك لحالك في مخالفة الشـيعي سـواء ، من غير فصل ، فاحملني من النصفة على مثل ما حملته ، واجعل بيني وبينك حكـماً كـما جعلت بينك وبينه.
وهلمّ بنا إلى من نحسـن به الظنّ جميعاً مِمَّن كان يهودياً فصار مسـلماً ، ثمّ ننشـده الله ، هل كـان وقت يهوديّته يعلم صحّة ظهور المعجزات على يد نبيّـكـم ضرورة ، أم لم يكـن يعلم ذلك في حال يهوديّته سـاعةً قطّ؟
فيكـون هذا مانعاً لك من أن تدّعي علَيَّ علم الضرورة ، وتنسـبني إلى المكـابرة!
فلمّا رأى المعتزلي أنّ اليهوديَّ قد خصّه بالشـبهة التي ألقاها ، وأنّ المعجزات قد تعذّر عليه إثباتها بالضرورة التي ادّعاها ، عاد إلى نفسـه فخيّرها بين أن يرجع عن القول بإيجاب علم الضرورة في متواتر الأخبار ، ويعمل في إفسـاد هذه المقالة التي قوّى بها كـلمة الكـفّار ، وبين أن يصبر على ما جناه من القول بالاضطرار.
__________________
(١) في «أ» : «تأمّلت».