وبهذا فرط (١) كـلامكـم (٢) ، وعمدتنا وعمدة النصارى والفلاسـفة والمجوس في مناظرتكـم ، فما خلاصكـم منّـا (٣) وجوابكـم؟!
قال المعتزلي لليهودي :
لو جاز على خَلَفِنا ـ وهم على ما هم عليه من الكـثرة والانتشـار ، والتفرّق في الأصقاع والديار (٤) ، وتعذّر التعارف بينهم ، واسـتحالة التواطؤ منهم ـ أن يخبروا عن أسـلافهم أنّهم متواترون مثلهم ، وأنّ حكـم أوائلهم في قطع العذر بما يخبرون به حكـمهم ، ويكـون الأمر بخلاف ما يقولون ، وبالضـدّ مـمّـا ينقـلـون ، وأوائـلهـم آحـاد ـ كما تزعمون ـ مفـتعلون ؛ وهـم لا يعلمون ، لجاز عليهم الكـذب في جميع ما يشـاهدون ، والافتعال في سـائر ما يخبرون ، حتّى لا نثق بشـيء من أخبارهم ، ولا نعلم صحّة ما غاب عنّا بنقلهم ، ولوجب أن نشـكّ في ما نقلوه من أخبار الملوك والممالك ، وذكـروه من مواضع البلاد والمسـالك ، وسـطروه من السِيَر والآثار ، ودوّنوه من الوقائع في الأعصار!
وهذا باب متى فتحناه أفسدت الطرق بيننا وبين العلم بأخبار الناس ، ووجب أن لا نثـق من ذلك إلاّ بما أدركـناه بالحواسّ.
__________________
(١) الفارِطُ : المتقدّم السابق ، فَـرَطَ يَـفْـرُطُ فُروطاً ، وفَـرَط القومَ يفرطهم فَـرْطاً وفَراطةً : تَـقَـدَّمهم ؛ ومنه قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنا فَـرَطُكم على الحَوْض» أي : أنا متقـدِّمُـكم إليه.
انظر : لسان العرب ١٠ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ مادّة «فرط».
(٢) في «أ» : «فهذا من قطّ كـلامنا لكـم» ؛ ولم ترد في «ب».
(٣) في «أ» و «ب» : «منه».
(٤) في «ج» زيادة : «البعيدة».