وإمّا أن يكـون ذلك لقلّة التقى والديانة ، وعدم المخافة من الله سـبحانه وتعالى ، فليـس لكـم صارف يصدّ ، ولا معلّم ورع يردّ ، فلذلك بادرتَ بالطعن على مَنْ يقول خصمك : إنّـه الإمام المسـتخلَف ، بما أن تمّ لك لم تبالِ أن يكـون طعناً على المسـتخلَف.
فهذا الذي أوردتَـه ـ عافاك الله ـ حجّتنا عليك ، وكـلامنا الذي توجّه أبداً إليك ، فنقول :
إنّـا لا نشـكّ ـ معاشـر المسـلمين ـ أنّكـم اليوم قد جاوزتم في الكـثرة حدّ المتواترين ، الّذين إذا أخبروا عمّا شـاهدوه أو سـمعوه كـانوا صادقين ، ولكـنّـكـم لم تشـاهدوا معجزةً منه ، ولا عاصرتم نبيّـكـم فرأيتم آيـة ، وإنّما رويتـم عن غيركـم ، وعوّلـتم على قول مَن أخبركـم ممّن روى ـ أيضاً ـ عن غيره وحكـى قول مخبره.
وقد سـلّمنا لكـم ، أنّـه قد كـان لهؤلاء النقلة إليكـم أوّلٌ عاصر نبيّـكـم ، فما الحجّة على أنّهم كـانوا ممّن ينقطع العذر بنقله ، ويجب قبول قوله؟!
وما المانع من أن يكـون أوائلكـم آحاداً أو جماعة شـذّاذاً افتعلوا (١) لكـم هذا الخبر ، وادّعوا أنّهم شـاهدوا معجزاً ظهر ، ونقلوا ذلك إلى مَن بعدهم ممّن هم في العدد أكـثر منهم ، ثمّ نقله كـلّ قوم إلى مَن هم أكـثر منهم ، فنما وزاد ، وكان أوّله (في خبر الآحاد) (٢) ، ولعلّ ذلك كـان من طائفة نشـأت بعد نبيّـكـم من جملة أصحاب حديثكـم؟!
__________________
(١) في «ب» : «فنقلوا».
(٢) في «أ» : «خبر الآحاد» ؛ ولعلّ ما في النسـخ الثلاث تصحيف ؛ صوابه : «حـيّـز الآحاد» بقرينة ما مـرّ سابقاً.