بين «النعمة» و «الشكر» ، أو فقل : بين «العمل» و «الأجْر». ولنوضّح ذلك بإيجاز :
تقول الروايات الواردة في كتب الفريقين ، بتفسير قوله تعالى : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (١) : إنّ أهل المدينة اتّفقوا على أنْ يجمعوا مالاً يضـعوه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليصرفه في أُموره ، كأجر وعوض لما جاء به ، والجهد الذي بذله من أجل هدايتهم وتزكيتهم وتعليمهم ، فلّما أتوا بالمال إليه ـ وكان كثيراً ـ وردّه صلّى الله عليه وآله إليهم ، نزلت الآية المباركة لتدلّ على أنّ الذي أتى به إليهم فأخرجهم من ظلمات الشرك والجهل والفقر إلى نور الهداية والعلم والرشاد ، لا يقابل ولا يساوم بشـيء من أموال الدنيا ، بل إنّ أجر الرسالة إنّما هو المودّة في قرباه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهم أهل بيته الأطهار عليهم السلام ..
وهذا الأجر أيضاً لهم وعائد إليهم ؛ لأنّ بمودّتهم ثمّ بإطاعتهم ومتابعتهم يستمرّون على الهدى ، ويكونون من أهل الفلاح في الآخرة والأُولى (٢).
وهنا يأتي دور «مَن توسّط» بين الأُمّة والأئمّة عليهم السلام في نقل علومهم ، فإنّهم في الحقيقة وسائط لهداية الضعفاء من المكلّفين وأسبابٌ لحياتهم المعنويّة التي لا يساويها شيء من المنافع الدنيويّة ، فلو أمر أحدٌ بأنْ يسجـد لأحـد ، فإنّ هؤلاء الوسائط أهلٌ لأنْ يُسجـد لهم ؛ لحقوقهم
__________________
(١) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.
(٢) راجع : رسالتنا في تفسير آية المودّة ، في الجزء الأوّل من كتابنا : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات.