والحجج ، العقلية والنقلية.
وهذا الأُسـلوب لم يكـن بدعة ابتدعوها ، بل عملا منهم بما جاء من عند العزيز الحكـيم في محكـم كـتابه من آيات بيّنات ، يدعو فيها الباري عزّ وجلّ عباده إلى اتّباع هذا الأُسـلوب الذي يتوافق مع العقل ، فضلا عن حصول النفع المطلوب.
ولا يخفى أنّ الحوار البنّاء لا يخلو من الحقّ إجمـالا حتّى وإنْ لم يُعلم كونه مع أيّ من الطرفين على وجه التفصيل ، قال الله تعالى في أدب الحوار : (وإنّـا أو إيّـاكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين) (١).
وفي هذا العصر الذي كـثرت فيه المُحاورات والمناظرات ، بل الجدال والنقاش والمراء ، وباتت تُنقل جلسـاتها عبر وسـائل الإعلام المرئية والمسـموعة إلى جميع أنحاء العالم ، وصار يتابعها شرائح المجتمع المختلفة ، حتّى أصبحت بعض هذه الشرائح تحدّد موقفها تجاه الطرف الآخر وتطّلع على سـلبياته وإيجابياته وصحّـة ما يعتقد بها من خلال هذه المناظرات ، فلذلك أصبحت تحدّد مصير شعوب وطوائف ، وتغيّر معتقدات وأفكار طالما رسخت في أذهان بعضهم لقرون طويلة.
فصار الحريّ بالمناظرين والمتحاورين أن يلجأوا إلى الأساليب الشفّافة والحوارات البنّاءة ، والابتعاد قدر الإمكان عن التجريح والتكفير الذي يؤدّي إلى زرع بذور الفتن والبغضاء بين الناس.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الفتـنة نائمة لعن الله من أيقظها» (٢).
__________________
(١) سورة سـبأ ٣٤ : ٢٤.
(٢) انظر : المبسوط ١٠ / ١٢٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ١٢٧ ح ٤٤٠٥ ، الجامع الصغير : ٣٧٠ ح ٥٩٧٥ ، كنز العمّال ١١ / ١٢٧.