ثمّ يعقّب بكلام فيه الفداء بالنفس والآباء والأبناء ، سائلاً تلك الأجساد الطواهر التي ضمّتها أرض الشهادة ، فيقول : يا بني النبيّ لا تبعدوا عنّا ؛ كي لا يعضّنا الدهر بالنائبات المفجعة.
ثمّ يخاطب نفسه بعدم الجزع ، بل عليها أن تتحلّى بالصبر في الفادحات ، فإنّ في الصبر أجراً عظيماً :
يَا صَفْوَةَ اللهِ في خلائِقِهِ |
|
وأكرَمَ الأعجَمين والعَرَبِ (١) |
أَنْتُم بُدُورُ الهُدَى وأنجُمُهُ |
|
وَدَوحَةُ المَكرُماتِ والحَسَبِ (٢) |
وساسَةُ الحَوْضِ يَوْمَ لا نَهَلٌ |
|
لمورِديكُمْ مواردَ العَطَبِ (٣) |
فَكَّرتُ فيكُمْ وفي المُصابِ فما |
|
انفَكَّ فؤادي يَعُومُ في عَجَبِ |
ما زِلتُمُ في الحَيَاةِ بينَهُمُ |
|
بَيْنَ قَتِيل وبَيْنَ مُسْتَلبِ |
قَدْ كَانَ في هَجْرِكُمْ رِضىً بِكُمُ |
|
وَكَمْ رِضىً مُشْرَج على غَضَب (٤) |
حَتّى إذا أوْدَعَ النبيُّ شجا |
|
قَيْدَ لهَاةِ القصاقِص الحَرِبِ (٥) |
مع بعيدين أحْرَزا نَسَباً |
|
مع بُعدِ دار عن ذلك النّسَبِ |
ما كَانَ تَيْمٌ لهاشِم بأخ |
|
ولا عَديٌّ لأحْمَد بأَبِ |
لكن حَدِيثا عَداوة وقِلىً |
|
تَهَوَّرا في غيابةِ الشُّقُبِ (٦) |
__________________
(١) الصفوة في كلِّ شيء : خالصه ، خياره. الأعجمين : الناس من غير العرب.
(٢) دوحة : شجرة عظيمة.
(٣) نهل : شرب. العطب : الهلاك.
(٤) مشرج : مضموم.
(٥) شجا : ما اعترض ونشب في الحلق من عظم ونحوه. لهاة : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. القصاقص : القوي. الحَرِب : الشديد الغيظ.
(٦) قِلى : بغض. تهوّرا : أيّ الخليفتين ، سقطا في قعر مهاوي العداوة والبغض. الشّقب : الهاوي بين الجبال.