يا قبر سقى الله تُربك بغيث السماء ، مادمت حاوياً لأشلاء هذا البدن الطاهر ، العبق بريحها الطيّب.
ثمّ يقول : لقد وقفت وقفة المتأمّل عند هذه القبور ، وأجلت النظر بما فيها من نساء ورجال ، فاضطربت أفكاري ، وعلمت كم من ميّت كان معروفاً فصار منسيّاً ، وكم من ميّت خيّل إلى البعض أنّه سيندرس ذكره لكنّه ظلّ حيّاً في الضمائر والنفوس.
وقال في رثاء الإمام الحسين عليهالسلام (١) :
يا عينُ لا للغضا ولا الكُثُبِ |
|
بُكا الرزايا سوى بكا الطَرَبِ (٢) |
جُودي وجِدِّي بملء جَفنِكِ ثمَّ |
|
احتفلي بالدموع وانسكبي |
يطالعنا الشاعر في بائيّته هذه مستهلاًّ قصيدته بالبكاء لمصيبة ألمّت بالمسلمين ، لذا بكاء الشاعر لا للرسوم والأطلال ، لا للطرب واللعب ...
يَا عَيْنُ فِي كَرْبَلاء مَقَابِرُ قَدْ |
|
تَرَكْنَ قَلْبِي مَقَابِرَ الكُربِ (٣) |
مَقَابِر تَحْتَها مَنَابِرُ مِنْ |
|
عِلْم وحِلْم وَمَنْظَر عَجَبِ |
مِن البَهالِيلِ آل فاطِمَة |
|
أهْلِ المَعالي والسّادَةِ النُّجُبِ (٤) |
كَمْ شَرِقَتْ مِنْهُمُ السيوفُ وكَمْ |
|
رُوِّيَتِ الأرضُ مِنْ دَم سَرِبِ (٥) |
__________________
(١) الأغاني : ١٤ / ٥١ ، ديوان الشاعر الحمصي : ٧٤ ، وديوان ديك الجن تحقيق مهنا : ٣٥ ، وأعيان الشيعة : ٣٨ / ٣٣.
(٢) الغضا : الغيضة ، مجتمع الشجر في مغيض الماء. الكثب جمع كثيب : التل من الرمل. الرزايا جمع رزية : المصيبة العظيمة احتفلي : امتلئي.
(٣) الكرب : الأحزان.
(٤) البهاليل جمع بهلول : السيد الجامع لكل خير. النجب جمع نجيب : الكريم الحسيب.
(٥) شرقت : امتلأت ، احمرّت. سرب : سائل.