ديك الجنّ وفن الرثاء
الرثاء والغزل توأمان عند ديك الجنّ من حيث الجودة ، وصدق المشاعر ، ورصف الكلمات بعضها إلى جوار البعض الآخر بريشة أديب بارع ، وكأنّما خبّر في عمله كالمهندس في بناء الأبراج الشاهقة ، فبالإضافة إلى أنّه كان مجيداً في الغزل والحكمة ، فإنّه في الرثاء كذلك.
وأبرز العناوين التي تطالعنا في رثاء الشاعر ، هو رثاء الزهراء عليهاالسلام ، والإِمام الحسين عليهالسلام ، وقتلى الطفوف والشهداء الذين صُرّعوا بين يدي سيد الشهداء وأخوته الأطهار.
قال في رثاء الزهراء عليهاالسلام :
يا قَبْرَ فاطِمةَ الّذي ما مِثْلُهُ |
|
قَبْرٌ بِطَيبةَ طابَ فيه مَبيتا |
إذْ فِيكَ حَلَّتْ بِضْعَةُ الهادي الّتي |
|
بِحِلى محاسِنِ وَجْهِها حُلّيتا |
إن تَنْأَ عَنْهُ فَمَا نأيْتَ تَباعُداً |
|
أوْ لَمْ تَبِنْ بَدْراً فَما أُخفيتا |
فَسَقى ثَرَاكَ الغَيْثُ ما بَقِيَتْ بِهِ |
|
لُمَعُ القُبُورِ بطَيبة وبَقِيتا |
فَلَقَدْ بِرَيّاها ظَلَلْت مُطَيَّباً |
|
تِسْتَافُ مِسكاً في الاُنُوفِ فَتيتا |
وَلَقَدْ تَأمّلْتُ القبورَ وأهلَها |
|
فَتَشَتَّتَتْ فِكَري بها تَشْتِيتا |
كَمْ مُقْرَب مُقْصى وَكَمْ مُتَبَاعِد |
|
مُدْنىً ، فَسَاوَرَتِ الحَشَا عِفْريتا |
وقفةٌ من الشاعر في تخيّل صادق على بعد المسافة من تلك القبور ، فهو يخاطب قبر الزهراء عليهاالسلام بقوله : يا قبر : لا يمثلك أيّ قبر في طيبة ـ وهي المدينة المنوّرة بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لأنّك تضمّ ابنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فازددت جمالاً بجمال وجهها المبارك.