ثالثاً : ثمّ من الأسباب الأخرى ـ وممّا لا يقلُّ أهمّيّة عمّا تقدّم ـ هو فاجعته بزوجه (ورد) وغيرته عليها ، وقد كانت أغلى شيئاً عنده وأنيسه الوحيد ، وكان يعدّها روحه التي بين جنبيه ، وقلبه النابض في جوانحه.
وكانت لها الأثر العميق في نفسية الشاعر وشخصيته الأدبية والمعنوية على حدّ سواء ، وقد خلّفت فيه الحزن والكآبة ، وما يكاد يمرّ عليه طيف خيالها إلاّ واعتصر قلبه ألماً وحزناً لا ينقشع فيه ذلك الألم والحزن طالما صورتها متجسّدة أمامه كلّ حين.
رابعاً : الجوّ المذهبي في الشام ، إذ لم يكن الجوّ حليفاً للشاعر ؛ حتّى يساعده على الظهور والبروز والوقوف بين أقرانه من الشعراء ، إذ كانت الشام آنذاك أُمويّة عثمانية ، أمّا الشاعر فشعره يدوّي في الآفاق بحبّه وانتمائه لأهل البيت عليهمالسلام.
خامساً : ما عمله حسّاده وشانئيه من الوثابة وإغراء السلطان به ؛ حتّى اتّهموه بالزندقة والإلحاد (١).
سادساً : جرأة الشعراء على سرقة شعره وتضمينه في شعرهم ، فهذا ابن الوكيع التنيسي استطاع أن يدرّس شعر المتنبّي ويتتبّع سرقاته الشعرية ، وقد كان شعر ديك الجنّ هو المورد والمعين الذي سطا عليه المتنبّي ، ومن قبله أبو تمّام.
فلا يستبعد أنّ ابن وكيع عندما ألّف كتابه المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبّي ومشكل شعره إنّما اعتمد على ديوان ديك الجنّ ، ولا يستبعد إذا ما قلنا : إنّه كان يضع أمامه نسخة ديوان عبـد السلام ويتتبّع فيها
__________________
(١) انظر ديوان المعاني : ٢ / ٢٥١ ، والكشكول : ٣ / ٢٩ و ٥٦.