ولماذا افتقرت المكتبة الأدبية إلى دراسة مفصّلة عن حياة الشاعر ومذهبه ، وسبب خموله من بين شعراء عصره؟!
هذه أسئلة وغيرها كثيرة تُراود كلّ محقّق ..
أقول : في اعتقادي أنّ هناك جملة من الأسباب اشتركت في ضياع هذا الرجل ، حتّى جعلته غريباً في وجوده وشعره ، منها :
أوّلاً : إنّ انتماء الشاعر المذهبي ـ سواء كان شيعياً أم اسماعيلياً ـ هو الذي حسر عنه تمجيد الأُدباء له ، ومن ثمّ عدم اهتمام المصنّفين به وبشعره إلى أن أهمله التاريخ وعدّه من شعراء المعارضين للدولة والسلطة الحاكمة.
ثانياً : إذا كان الشاعر شيعيّاً ، فيعني أنّه ينتمي إلى حزب يعارض سياسة الدولة العباسية ، بل وأنّ المجتمع هو كذلك على دين الملك.
إذن كان الشاعر يعيش العزلة من جانبين : من جانب السلطة ، ومن جانب المجتمع.
وهكذا شخص غريب في بيئته لابدّ أن تندرس آثاره وأخباره فيؤول كلّ شيء إلى الضياع ، وبالخصوص إذا كان الفرد تحوم حوله الشبهات والتهم ، وأنّ سيرته تخالف سيرة أبناء جلدته.
لهذا ليس عجيباً أن يكون هذا الرجل وحزبه ضعيفاً عند المجابهة ، أو أن يكون متكتّماً على عقيدته وسياسته ، ولو لفترة من الزمان ، لذا يكون الانتماء إلى حزبه أو مذهبه محدوداً ، وينحسر ذاك الانتماء إذا كانت التقية أحد قيوده وشرائطه ، غير أنّ شاعرنا انفرد عن أقرانه ، فأعلن ولاءه ، وجاهر بمعتقده ، بل أنّ سيرته المرفوضة ـ خلقيّاً ـ من المجتمع المحافظ وجرأته في النقد والتهجّم ... جعلته في موضع الرفض ، وهذان السببان يُعدّان من الأسباب المهمّة في انزواء الشاعر وكراهة الالتقاء به.