وتمكّنوا منه
لعارضوا ، ولو لم يتمكّنوا لوجه من الوجوه المعتادة لوقفوا وتنبّهوا على سقوط
الحجّة عنهم ؛ فكلامنا مستقيم من كلّ وجه.
فإن قال : كيف
يكون تماثل الكلامين وتفضيل أحدهما على الآخر غير مضبوطين ، والأقوال فيهما
متكافئة حسبما ادّعيتم. وقد رأينا الشّعراء وغيرهم من أهل الصّنائع يتحدّى بعضه
بعضا ، ويستفرغون الوسع فيما يظهرونه من صنائعهم. وإنّما غرضهم في ذلك أن يفضّلوا على نظرائهم ، ويجعلوا في
طبقات صنعتهم ، ويشهد لهم بالتقدّم ، ويسلّم إليهم الحذق. ولو كان ما قصدوا إليه
من ذلك لا ينضبط والخلاف فيه لا ينقطع ، لما أتعبوا نفوسهم وأبدانهم فيما لا وصول
إليه.
قيل له : إنّما
تجشّم من ذكرت من الشّعراء وأهل الصّنائع ما تجشّموه من التحدّي والمباهاة
والمفاخرة ؛ لأنّ غايتهم القصوى التي يجرون إليها أن يغلب في الظّنون فضلهم ،
ويعتقد أكثر العلماء ـ أو طائفة منهم على الجملة ـ تقدّمهم. وهذا حاصل لهم وإن كان
أمر بعضهم فيه أظهر فيه من بعض.
وليس في الدّنيا
عاقل من الشّعراء ولا من غيرهم ، يريد أن يقطع النّاس بفضله على عديله ويطبّقه مع
نظيره ، من جهة العلم اليقين. بل أحسن أحوالهم وأكبر آمالهم أن يظنّ ذلك فيهم ،
ويكون حالهم به أشبه وأليق ؛ لأنّه لا مجال للعلم في هذا ، وإنّما يعمل فيه على
الظنّ وغالبه. وليس هذا من دلائل النبوّة في شيء ؛ لأنّها مبنيّة على العلم دون
الظنّ.
وإنّما يعلم صدق
النّبيّ صلىاللهعليهوآله في الخبر بأنّهم لا يعارضونه ويدلّ على أنّهم مصروفون بأن
نعلم يقينا أنّ المعارضة لم تقع من أحد منهم ، وأنّ من تعاطى من القوم ـ ما ادّعى
أنّه معارضة ـ متعاط لما لم يدع إليه ، ويتكلّف ما لا حجّة فيه.
__________________