علم تعالى أنّ كلّ
من انفسد بدعائه وإضلاله قد كان ينفسد لولاهما. ويقول : لو لا هذا لمنعه من أفعاله
، ولم يمكّنه منها.
وعلى هذا ، غير
ممتنع أن يعلم تعالى أنّ جميع من يضلّ ويفسد عند تمكين المتنبي بما ذكرناه ، قد
كان لو لا هذا التمكين يضلّ أيضا ويفسد ، وأنّه ليس يحصل مع تمكينه من الفساد
والضّلال إلّا ما كان سيحصل لو لاه.
فيصير جواب أبي
عليّ ـ عن غواية إبليس ، وعن تمكين من ذكرناه من الكذبة الممخرقين من أفعالهم ـ هو
جوابها بعينه لمن أوجب أن يمنع القديم تعالى ما أجزناه.
وهذه الطّريقة
الّتي سلكناها ـ في إبطال قول من أوجب على القديم تعالى المنع ممّا ذكرناه ، لما
ظنّه من الاستفساد ـ تبطل أيضا قول من أوجب عليه تعالى منع الملائكة أو الجنّ من
فعل ما تنخرق به عادتنا ، على سبيل التّصديق للكذّاب ، على ما مضى من كلام صاحب
الكتاب المتقدّم.
وتبطل قول من أوجب
منعه تعالى من أن ينقل هذا الكتاب ناقل إلى بعض البلدان البعيدة الّتي لم يتّصل
بأهلها دعوة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، ولم يسمعوا بأخباره ، فيدّعي به هناك النّبوّة ، على ما
اعتمده صاحب الكتاب فيما يأتي من كلامه ؛ لأنّ مرجع كلّ ذلك إلى التّعلّق
بالاستفساد الّذي قد كشفنا ما فيه وأوضحناه.
قال صاحب الكتاب
:
«فإن قال : ومن
أين أنّ ذلك لو وقع كان لا يتميّز من الحجّة؟ بل ما أنكرتم أنّه إنّما يكون حجّة ،
إذا علم أنّه لم يحدث إلّا عند دعواه ، فمتى حصل له هذا العلم زال التّجويز الّذي ذكرناه ، ويصحّ أن
يستدلّ به.
__________________